الأربعاء، 1 يونيو 2016

عيسى بن مريم غائب الشيعة الحاضر

مــدخل

إن أساس فتنة المسلمين وإنقسام الأمة إلى سنة وشيعة كان بسبب الإختلاف حول الإمام، ومتى تحددت شخصيته في ميزان أصول الدين توحدت كلمة الأمة، والمطلوب الآن من السنة والشيعة إعادة قراءة هذه النصوص للوصول إلى كلمة سواء.
لقد خطت الشيعة خطوات جادة في إعادة قراءة تلك النصوص التي تخص الإمامة، وإمامة المهدي بصورة خاصة، فقد جاء في مقدمة كتاب(علائم الظهور في المستقبل المنظور) تأليف حسن النجفي/ مؤسسة البلاغ الطبعة الأولى 1422هـ/2002م بيروت. وأقتطف من مقدمتة ما يلي:
"يبدو أنه قد  آن الآوان لتغيير مسار البحث في موضوع المهدي(ع) فقد نحت بعض البحوث المتأخرة نحواً جديداً من حيث أنها لم تعد تتعرض لذات المسائل التي درج القدماء على التعرض لها والإفاضة فيها، وهي من قبيل إثبات وجود الإمام المهدي(أرواحنا فداه) وسوق الأدلة التاريخية على تولده وكونه ابن الإمام العسكري (ع) أو رفع الغرابة فيما يتعلق بالغيبة بذكر غيبة بعض الأنبياء(ع) عن قومهم كموسى ويوسف(ع)، أو تجميع الشواهد على إمكان طول العمر عن ما هو المتعارف بذكر عمر نوح(ع) وغيره من المعمرين...، إن هذه الموضوعات رغم أهميتها قد فقدت لدى جيلنا المعاصر شطراً كبيراً من جاذبيتها الأولى. فالذوق العام عند المؤمنين المثقفين لم يعد يستحلى هذا النمط من المسائل، ولذا يجب أن تنبثق في الدراسات المهدوية المعاصرة محاور جديدة من البحث، إذ أن الاهتمام ينبغى أن ينصب على الجوانب المتحركة كعلائم الظهور مثلاً، وهذا التحول الملحوظ في اتجاه البحث من الوجهة العقائدية إلى الوجهة الأيديولوجية له ما يبرره طبقاً لشكل الوعي السائد في هذا العصر، إن الموروث الضخم الذي تركه النبي وأهل بيته(صلوات الله عليهم) بصدد التخطيط لليوم الموعود من جملة ما يهدف إليه هو رفع درجة الوعي لدى الأجيال بمدى أهمية الفكر المهدوي الذي هو الامتداد الطبيعي للفكر الرسالي... والمهدوية التي هي جوهر عقيدة الإمامة في الفكر الشيعي لها حضورها في وعي كل إمام من أئمة الهدى(ع). سُئل الصادق(ع) عن قوله تعالى: "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" فقال:"كل إمام هاد للقرن الذي هو فيه" كما سئل أيضاً عن قوله تعالى: "يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ" قال:"إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه"... إن الذهنية الإسلامية المتسلحة بالوعي الرسالي لا يمكن أن ترتاب في العقيدة المهدوية وتبقي الخلافات بين المسلمين محصورة في إطار الهوية الشخصية للمهدي(ع) وماهية التخطيط الإلهي المرتبط بظهوره، ومعنى ذلك أن المسالة ليست خلافاً في أصل العقيدة بل هي مجرد وجهات نظر، ويمكن أن تتوحد الكلمة بمجرد زوال الغموض الذي اعترى فهم بعض المفردات المتعلقة بالفكرة المهدوية، ومن هنا بالضبط ينبغي أن ينطلق كل بحث رصين وعصري حول المهدوية، نحن لا نفعل أكثر من تنحية رواسب الوعي المتحجر الذي وصل إلينا من عصور كان القول الفصل فيها للأهواء والنوازع الذاتية للحكام المنحرفين. فالمهدية أيديولوجية تنسجم تمام الانسجام مع نضج الوعي السياسي عند الناس... إن كل ما يوجد بأيدينا حول تاريخ المهدي ومعني الفكرة المهدوية من روايات وأخبار يمكن أن يتم تطويعه لذوق العصر وجيله الراهن..." علائم الظهور- حسن النجفي.
التعليق:
1/ من تعليق حسن النجفي "كونه إبن الإمام العسكري".
أقول: تعليقي لكلام حسن النجفي ليس نقداً وإنما هو لفتح نافذة حوار لتصحيح مسار آلية البحث لمفهوم النصوص الثابتة للتأويل والمتغيرة لمختلف أوجه التفسير.
ففي الفقرة الأولى يقول:"يبدو أنه قد آن الآوان لتغيير مسار البحث في موضوع المهدي من حيث أنها لم تعد تتعرض لذات المسائل وهي من قبيل إثبات وجود الإمام المهدي".
هذه دلالة على فقدان القدرة في تقديم رؤية عصرية شاملة تنسجم مع واقع الأمة لأن المذهب المبتدع قد تضمن تناقضاً واضحاً في هيكله الداخلي. وبما أنه لم يعد بإستطاعته توسيع قاعدته فقد تم خلق بيئة أخرى وذلك لحاجة المذهب لعقيدة إنتظارية تتسم بروح العصر وتغري خيال منتسبيه  وهي بالتملق عن نهج هؤلاء القدماء أي (آل البيت) بعدما أعجزتهم دلائل النصوص الصريحة والتي لم تستوعبها وسائل إدراكهم.
وأما قوله:"إن هذه الموضوعات رغم أهميتها قد فقدت لدى جيلنا المعاصر شطراً كبيرا من جاذبيتها الأولى فالذوق العام عند المؤمنين المثقفين لم يعد يستحلى هذا النمط من المسائل ولذا يجب أن تنبثق في الدراسات المهدوية المعاصرة محاور جديدة من البحث إذ أن الإهتمام يجب أن ينصب على الجوانب المتحركة كعلائم الظهور".
وهنا الكاتب يدعو إلى إيجاد صيغة أخرى من الإنتظار لحاضر وليس غائب، وذلك لتحويرها كمحاولة ليرتكن فيها العقل الحديث (المؤمنين المثقفين) إلى خانة الترقب للآتي الأكبر وهو سيان بحال لسان إبراهيم عليه السلام في قوله  تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) } سورة الأنعام.
النص القرآني هو مثالاً مضروباً لحال أهل المذاهب اليوم  فما بزغ كوكباً وعوّل عليه وأفل إلا وتطاولت الأعناق لبازغ آخر فالعبرة بالمعتبر. وهذا ليس إستصغاراً أو من باب الذم. بل أن الحسنة فيه أنه المذهب الأمثل الذي قام على الإمامة النصية وهي جوهر الخلافة الربانية ونهج آل البيت من قبل. فجاء بعدهم خلف أضاعوا الميراث وضلوا عن الوريث (إمام الوقت الحاضر) قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء.
فالقول بإمامة الغائب الشيعي إبن الحسن العسكري (محمد) يعارض مذهب الأئمة عليهم السلام جملة وتفصيلاً بل حتى انها تطيح بآمال الطائفة والتي ثبت من خلال  مراجعها وبحوثها بطلان هذه الفكرة الناشئة والوليدة والتي يتبرأ  منها الإمام الحسن العسكري بعدم إعلانه عن مولود له سيرته بالإمامة وإن كانت على هذا الإفتراض الأخير فهي تفتقر للشرعية لأن التنصيص هو شأن إلهي لا دخل لوالده به. ومن ثم تحولت نظرية الإمامة إلى الإعتقاد بمهديته وقيامته آخرالزمان بعدما إنهارت الآمال المعقودة في كثير من رجالات أهل البيت عليهم السلام.
عن الحارث بن زياد، عن شعيب بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أنت صاحب هذا الامر ؟ فقال: لا، قلت (فولدك؟ قال لا، قلت فولد ولدك ؟ قال: لا، قلت: فولد ولد ولدك ؟ قال: لا، قلت: فمن هو ؟ قالالذي يملئها عدلا كما ملئت جورا لعلى فترة من الائمة يأتي كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث على فترة من الرسل" الغيبه للنعماني ص 27/ بحار الانوار ج51 ص 9".
أقـول: الحديث السابق يكشف عن الرجاء المهدوي المأمول على الإمام الصادق عليه السلام والذي نفاه حتى عن حفيد إبنه وشهادة الإمام الصادق تبيّن التناقض الواضح من أقوال الشيعة اليوم في شخص غائبهم إبن الحسن العسكري في قوله: "على حين فترة من الرسل" أي بعد إنقطاع وفتور من الإرسال من الإئمة والجانب الآخر إن جُلّ الروايات البيتية تم النهي فيها بعدم التصريح بإسمه مع أن المشهور لكل الجمهور وليس حصرياً للشيعة فقط أن غائبهم يذكر إسمه صريحاً فقد جاء بعقد الدرر صفحة (41) باب (3) حديث مرسلاً عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال:
سأل عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن المهدي ما إسمه. فقال علي: أما إسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إليّ أن لا أحدث بإسمه حتى يبعثه الله عزّ وجلّ وهو ما استودع الله عز وجل رسوله في علمه".
أقول: يتضح من الرواية أن العهد الموثوق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي بن ابي طالب هو في الكتم والنهي بالتصريح بإسم المهدي. وقوله:"حتى يبعثه الله". أي في أوانه (آخر الزمان) بميلاد جديد وإسم جديد يُخفى على الناس وقائعه ومن ثم يباشر هو بنفسه بتعريف الناس بحقيقته التي لا يعلمها إلا الله ورسوله، أي أن كتاب الله وسنة نبيه هي حجاب دونه فلا مطمع لأحد بالإحاطة به وإدراكه.
وفي كتاب الغيبة للنعماني صفحة (73) عن عبد الله بن العطا. قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: أخبرني عن القائم (ع) فقال: والله ما هو أنا بصاحبكم. ولا يشار منا إلى رجل منا بالأصابع ويميط إليه بالحواجب إلا مات قتيلاً أو حتف أنفه. قلت: وما حتف أنفه؟. فقال يموت بغيظه على  فراشه. حتى يبعث الله من لا يؤبه لولادته أحد. قلت ومن لا يوبه لولادته؟ فقال: أنظر من لا يدري الناس أنه ولد أم لا فذاك صاحبكم".
أقول: ما تخلص إليه القراءة ان القائم يبعث في زمانه معاصراً لواقعه. وقوله: "من لا يؤبه لولادته أحد" فقطعاً الوصف لا ينطبق على أمره كما الشيعة اليوم التي دأبت في شأن ميلاده وغيبته المزعومة بأدق التفاصيل. ولا يمكن أن يقال فيه "من لا يدري الناس ولد أم لا" فالمعنيون بالخطاب هم الشيعة دون غيرهم. وقوله: "ولا الذي تمدون إليه أعناقكم" أي ليس هو محمد إبن الحسن العسكري بوجه خاص أما بوجه عام يراد كل من توهم بالمهدية المنتظرة بيد أحد منهم  في قوله: "لا يشار لأحد منا بالأصابع ويميط إليه بالحواجب إلا مات" وهنا ينفيها عنه وعنهم أيضاً. وأما قوله:"لا تعرف ولادته" أي لا يكترث أحد لمولده والتنبيه للشيعة بصفة خاصة. وللايضاح الحديث التالي:
عن أبي الجارود أنه سأل الإمام الباقر (ع): (متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا الجارود لا تدركون. فقلت: أهل زمانه؟ فقال: ولن تدرك زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد... الى قوله (ع): ويسير الى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم، وسمروا ساماتهم، وعمهم النفاق، وكلهم يقولون يا ابن فاطمة ارجع، لا حاجة لنا فيك. فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الإثنين من العصر الى العشاء... ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله تعالى) (المعجم الموضوعي: 568ص – 569ص).(دلائل الإمامة- محمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص455 - إرشاد المفيد ج2 ص384.
أقول: الحديث حدد القيد الزمني فترة عهد الإمام الحسن وحصره ما بين وفاة راوي الحديث أبا الجارود (120هـ) إلى ميلاد الإبن المزعوم للإمام الحسن (232هـ) فيكون الناتج 112سنة فيصبح أهل زمان رواي الحديث (أبا الجارود) قد أدركوا شخص المهدي بشخصه وبذاته وليس أهل زمانه فقط وأما في الفقرة "يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد" والجملة الأخيرة هي حجة على الشيعة وأظهر بينة، وللوقوف على التفاصيل ساوردها في موقع لاحق من هذا المنشور فقد جاء بغيبة الطوسي عن أبي سعيد الخراساني قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي شي سُمي القائم، قال: لأنه يقوم بعدما يموت أنه يقوم بأمر عظيم يقوم بأمر الله سبحانه". وعن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار أماته الله مائة عام ثم بعثه".
أقول: قبل التعليق أورد ما قاله الطوسي في الحديث "الوجه في هذه الأخبار وما شاكلها أن نقول بموت ذكره ويعتقد أكثر الناس أنه بلى عظامه ثم يظهره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي. وهذا وجه قريب في تأويل الأخبار على ألا يرجع بأخبار آحاد لا توجب علماً عما دلت عليه العقول السليمة وساق الإعتبار الصحيح إليه وأكدته الأخبار المتواترة التي قدمناها، بل الواجب التوقف من هذه والتسمك بما هو معلوم وإنما تأويلها لها بعد التسليم بصحتها" إنتهى كلامه.
وعليه أقول: أن الطوسي خالف النصوص التي أكدت على حدوث موت حقيقي لا مجازي فصرف معنى الموت إلى الذكر بعدما خُفيت عليه دلالة اللفظ الصريح وأفضل ما قاله إذ أمسك عن التفسير وتوقف عن القول. ومن ثم فإن الروايات التي نقلها تصرّح ان القائم يقوم بعدما يموت، أي سيبعثه الله ببعث جديد وإحياءاً ثاني، فوجه التشبيه كان كاملاً بصاحب الحمار الذي أحياه الله بعد أن أماته موتاً حقيقياً.
وختاماً لما ذكره النجفي في الفقرة التي جاء بها، سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } (7) سورة الرعد. يعني مطلق الهداية التي لم تتقيد بنبي أو رسول فما ثم هناك إلا فرد هاد للحق في كل زمان.
يقول الزمخشري في الكشاف صفحة (22 ـ 23) الآتي نصه: "أن أنبياء الأمم شهداء يشهدون بما كانوا عليه. والشهيد يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب وان يكون حياً معاصراً لهم غير متوفي".
أقول: هذا هو القول الفصل فالشهادة لم تختص بنبوة نبي ولا برسالة رسول وإنما إشترطت بحياة الشهيد. قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } (84) سورة النحل. وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (41) سورة النساء.
وقال تعالى: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (21) سورة ق.
فآية سورة النساء في قوله تعالى:" َجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء" فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فيشهد لهم في حياته وليس بعد مماته ويُراد منهم (هؤلاء) قومه كما إستدل النبي بشهادة عيسى إبن مريم بعد وفاته، كما جاء في الحديث الذي رواه إبن عباس عنه،  إذ قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون حفاةً عراةً غرلاً ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) فأول من يكسى إبراهيم ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول: أصحابي. فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: "وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" اللفظ للبخاري حديث رقم3447. أخرجه مسلم(2860).
أقول: "فكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم" أي شاهداً لحالهم في حياتي بالإتباع. "ولما توفيتني" إنتفى هذا القول فتكون الشهادة باطلة بل ويحاج بها عليه عند الله وحاشاه من ذلك فلن يجعل الله للظالمين على المؤمنين سبيلا ولن يجعل لهم ظهيرا.
قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء. فالآية هي شرح لوقائع الحديث النبوي السابق والذي يُراد به في جملة "أصحابي أصحابي" أي أنهم أناس عاصرهم حياً وأكتفوا ببيعته فلم تغنِ عنهم شيئاً بعد موته لأنها لم تقع لإمام عصرهم المبعوث فيهم والذي نص عليه الخبر التالي الذي رواه عبد الله بن عمر أنه قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: من خلع يداً من الطاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له،  ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميته الجاهلية" أخرجه مسلم بسنده. وأيضاً عنه رُوي: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته الجاهلية".
كما إرتدت الأمة على أعقابها بعد وفاة النبي الكريم سيكون هناك إرتداد في كل قوم من هذه الأمة لم تدين بطاعة هؤلاء المبعوثين "رسلاً ومنذرين" فهم ملحقون بهم"أي من أنفسهم وفي أزمانهم وليس من أزمان أخرى سابقة فالشهادة للحاضر. قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (134) سورة البقرة.
جاء بكتاب الرماح للفوتي بالفصل الثالث عشر قول الشيخ أحمد التجاني: "فمن فزع إلى أهل عصره الأحياء من ذوي الخاصة العليا وصحبهم واقتدى بهم ليستمد منهم فاز بنيل المدد الفائض  من الله، ومن أعرض عن أهل عصره مستغنياً بكلام من تقدمه من الأموات طُبع عليه بطابع الحرمان وكان مثله كمن أعرض عن نبي زمانه وتشريعه مستغنياً بشرائع النبيين الذين خلوا قبله فيسجل عليه بطابع الكفر"
أقول: قول التجاني هو شرحاً لمعنى الحديث النبوي "من مات ولم يكن في عنقه بيعة مات ميته الجاهلية" وعليه فإن أهل العصر ذوي الحاجة العليا الأحياء هم خلفاء الله وأمناءه على خلقه والذين لا يخلو زمان من واحد منهم " لكل قوم هاد" فبموته ينقطع مدده وتُحجر شهادته (في حياته فقط) ولا تغني بيعته لهم إلا بآخر يبعثه الله من بعده وهذا هو المتفق عليه من صريح قول النبي صلى الله  عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدى وإنه سيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا  ببيعة الأول فالأول، وأعـطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم" أخرجه البخاري (3455) ومسلم (1842).
كما ورد بحديث الأبدال للطبراني في الأوسط، عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن فبهم يسقون وبهم ينصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر" كما عند الهيثمي في مجمع الزوائد.
وللتأكيد والتاصيل جاء بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث. صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
فحكم الإنقطاع لم يستثن حتى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون من غير جنس بني آدم. فالمنافع التي تلحق بالميت هي من باب خصيصية نفسه والضمير يعود إليه (عمله) إي للميت (يدعو له) (ينتفع به) له خاصة وليس لغيره سبيل به، وأما العام فهو أمر الله وقائم بالله. وهنا نقطة أشير إليها من هذا الشرح يجب التنبيه إليها تتعلق بما يتوارثه أدعياء التصوف وما شاكلهم اليوم وبالأخص اصحاب الطريقة التجانية. فكلام شيخهم (أحمد التجاني) قد قطع حبل الوصال وفض حلقة الجدال في يد كل من يدعي أو يثبت على مقعد الإمامة زوراً أو متقولاً بإرث التجاني والحديث النبوي ينص أن أهل العصر (شخص الإمام) يتم تعيينه من الله فجملة "إلا أبدل الله مكانه آخر" يلاحظ أن فعل الإستبدال والإستخلاف هو بالله ولما كانت الإمامة عهداً إلهياً وأمراً إصطفائياً  فهو فرد يختاره الله من عنده. قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}(124) سورة البقرة. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (73) سورة الأنبياء.
وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (5) سورة القصص.
فالجاعل هو الله تعالى فيتبيّن من مجمل الآيات أن أمرهم بالتفويض منه سبحانه والنسبة إليه لا بغيره.

وفي ختام هذا الفصل الذي ثبت بالبرهان أن لكل زمان إمام يدعون به ليكون شاهداً عليهم. فالمطلوب من الأمة بغاصيها ودانيها الإحتكام لكتاب الله وسنة نبيه الكريم في التحري ومعرفة شاهدهم الحاضر بينهم الآن. والذي أكدت النصوص أنه عيسى إبن مريم بذاته وروحه بميلادٍ ثانٍ في آل البيت النبوي الشريف وهو شخصي سليمان أبي القاسم موسى بوصفي هادي هذه الثلة وخاتماً لخلفاء الله في الأرض،  ليحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة والله على ما أقول وكيل وهو يقول الحق ويهدي السبيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق