الخميس، 2 يونيو 2016

دولة الإسلام المدنية

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
عن عمر بن الخطاب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحيتي وأنا أعرف الحزن فيوجهه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون أتاني جبريل آنفاً فقال  إنا لله وإنا إليه راجعون فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون فمم ذلك يا جبريل ؟ فقال : إن أمتك مفتتنة بعدك بدهر غير كثير فقلت :فتنة كفر أم فتنة ضلال ؟ فقال كل سيكون فقلت ومن أين وأنا تارك فيهم كتاب الله ؟ قال فبكتاب الله يفتنون وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها فيقتتلوا ويفتنوا ويتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغيَّ ثم لا يقصرون...).
 رواه أبو نعيم وذكره القرطبي في أسباب الفتن التذكرة للقرطبي ص 487 .
هذا الحديث يعتبر المرجع المباشر من السنة للفتن القائمة الآن في السودان لأن الحروبات ما قامت في الشرق والغرب والجنوب إلاّ بشعور هذه الأطراف بالتهميش وسلب المركز لحقوقهم والشيء الأخر في هذا الحديث هو وصفه هذه الفتنة بأنها فتنة كفر وضلال. والواقع يؤكد ذلك لأن المسلمين في السودان صاروا أساود صبأ يضرب بعضهم رقاب بعض واستعانة المسلم بغير المسلم على أخيه المسلم فكثر القتل بسبب وبلا سبب وتطورت الفتن وأنتجت فتناً أخرى نمت وتكاثرت وتشعبت حتى استعصت عن الحل.
الفصل الأول
صلة الدين بالدولة
قالت رشا عوض عبد الله:
(في يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من الشهر الجاري (سبتمبر 2007م) أقام مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية مؤتمر الهوية والحرب الأهلية في السودان تحت شعار (نحو هوية وطنية متعددة الأبعاد) وعلى مدى يومين قدمت أوراق ثرة تناولت الموضوع في أبعاده المختلفة... قد كانت مداخلتي في المؤتمر في المحور الديني تناولت فيها علاقة الدين بالدولة وصراع الهوية في السودان وفيما يلي تفاصيل المداخلة التي تنتظر من القراء الكرام النقد والتصويب والإضافة.
لا سبيل لحفظ كيان السودان من التمزق والتشرذم والصراعات العرقية والدينية إلاّ بتوطين الدولة الوطنية الحديثة
إن الذي يجعل من الإسلام عامل صراع وانقسام بين المواطنين المسلمين وغير المسلمين في السودان هو التوظيف الأيدلوجي للدين في السياسة
إن بداية الحل لمشكلة استغلال الدين في صراع الهوية هي إقامة الدولة المدنية الحديثة المحايدة تجاه الأديان وتأمين الحماية الدستورية والقانونية لحقوق المواطنة وحقوق الإنسان.
تتبنى الورقة الدعوة للاستنارة الدينية (تجاوز منهج اجترار أفكار ومفاهيم ونظم من التراث الإسلامي معزولة عن سياقها التاريخي واستخدامها في حل الإشكالات الحضارية للواقع المعاصر وإخضاع مجمل التراث الإسلامي لدراسة تحليلية نقدية محيطة تشمل علم الكلام والفقه والفلسفة والتاريخ السياسي والاجتماعي بهدف معرفة الكيفية أو بالأحرى الكيفيات التي تفاعل بها المسلمون مع القرآن الكريم والسنة النبوية ذلك التفاعل الذي نشأت وتطورت عبره الحضارة الإسلامية وهو تفاعل اختلفت وتعددت صوره وأشكاله ونتائجه باختلاف العقول والأزمنة والأمكنة والمعطيات التاريخية الواقعية لكل عهد من عهود الحضارة الإسلامية سواء في حالات مدها أو جزرها ومن ثم بلورة رؤية شاملة لنهضة المجتمع المسلم على ضوء معطيات الحضارة المعاصرة التي يجب التعامل معها بعقلانية وموضوعية....)
المصدر: صحيفة السوداني السبت 29سبتمب?م المقال(1).
وقالت رشا:
(لتجاوز فكرة الدولة الإسلامية لا بد من مشروع مراجعة نقدية للفكر الإسلامي تنطلق من بلورة رؤية جديدة للكيفية التي يمارس بها الإسلام دوره في فضاء الحياة العامة، هذه الرؤية لا ينبغي أن تكون اجتراراً وتكراراً لأفكار سابقة أثبتت عدم جدواها كفكرة(الدولة الإسلامية) و(الدستور الإسلامي) بل يجب أن تكون متجاوزة لهذه الأفكار تجاوزاً منهجياً وفي إطار نظري متماسك منطقياً وعلى ضوء قراءة واعية ومتأنية لتجربة المسلمين التاريخية في أبعادها المختلفة بوجه عام وقراءة مماثلة للواقع السوداني وتحدياته الراهنة بوجه خاص وكلا القراءتين يجب أن يتسم بعمق الحس التاريخي والنقدي، وليس تجاوزاً اضطرارياً تفرضه الضغوط الظرفية...
وعلى ضوء التحديات الحضارية التي تواجه المسلمين في عالم اليوم في إطار السعي لبلورة فكر إسلامي جديد ينقذ العقل والوجدان المسلم من حالة التيه والتخبط في مواقفه من الحضارة المعاصرة، وحالة الانفصام التي يعانيها نتيجة للمتناقضات التي تتجاذبه، وهذا السعي للتجديد الديني قد بدأ في العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن مستهدفاً إحياء دور الإسلام الحضاري، وهذا المشروع لا يزال مستمراً ويجب أن يستمر لأن استمراره ضرورة حضارية ونهضوية، وحتى يكون هذا المشروع ناجحاً هناك جملة من الحقائق علينا أن نعترف بها بجرأة وشجاعة:
1)             فكرة الدولة الإسلامية ليست جزءاً من العقيدة الإسلامية، فحوجة المسلمين لإقامة دولة نابعة من كونهم بشر يحتاجون إلى مؤسسات تدير اجتماعهم البشري وتنظم مصالحهم المعاشية وليست نابعة من كونهم مسلمين فالدولة تجسيد لإرادة بشرية وانجازاتها المختلفة نتائج للمعرفة والخبرة البشرية.
2)             هناك شعارات ارتبطت بفكرة الدولة الإسلامية كشعار الحاكمية لله، هذا الشعار عندما يقحم في ساحة العمل السياسي يكون الهدف منه إضفاء قدسية دينية على برامج سياسية أنتجها عقل بشري، مفهوم الحاكمية لله مفهوم عقدي فلسفي معناه أن كل ما يحدث في هذا الوجود خاضع لإرادة الله ومشمول بعلمه المحيط وتدبيره المحكم، أما في الحقل السياسي فإن الحكم يمارسه بشر لا يحق لهم بأي حال إدعاء العصمة لممارستهم البشرية بزعم أنها تمثل حكم الله،....
3)             الفهم التقليدي للشريعة الإسلامية المتمثل في الأحكام التي أجمع عليها جمهور فقهاء أهل السنة لا يصلح للتطبيق في الظروف المعاصرة، وتجاوز هذا الفهم لا يتم بمساجلات فقهية في إطار المسلمات المورثة من الفقه التقليدي نفسه، فالتجاوز يحتاج إلى طرائق تفكير جديدة ومناهج جديدة في فهم النصوص المؤسسة للشريعة الإسلامية (القرآن الكريم والسنة النبوية).
المصدر: صحيفة السوداني الأحد 7 أكتوب?م الحلقة(2-2).
وفي التعقيب على فكرة رشا كتب أحمد هلال الهاشمي وقال:
(إن الذي يجعلني مندفعاً للكتابة في هذا الموضوع هو المقال الذي نشر لرشا... ومن هنا أود أن أدلي بدلوي بالتفاصيل لهذه الفكرة وبيان هذه المناهج الجديدة في فهم نصوص القرآن والسنة وإيراد الأدلة على أن نظام الإسلام السياسي مدني متروك للاجتهاد البشري في ضوء المبادئ الكلية التي أتت بها هذه النصوص وما ينطبق على نظام الإسلام السياسي ينسحب على جميع أنظمة الدولة الاقتصادية والمالية والإدارية وعلاقاتها الدولية...
أولاً: إن الإسلام لم يأت في شؤون السياسة والحكم بنظام ثابت يمكن تطبيقه في كل زمان ومكان بل أتى بمبادئ عامة تحكم هذا النظام السياسي الذي يترك شأنه للبشر لينظموا حياتهم بما يتواءم مع ظروف عصرهم وبما يحقق مصالحهم الدنيوية. ومن هذه المبادئ التي يجب أن تكون مرجعية لدولة الإسلام: الشورى والحرية والمساواة والعدالة ومساءلة ولي الأمر وعلى هذا فالنظام الديمقراطي هو أمثل نظام لتحقيق هذه المبادئ الدستورية في دولة الإسلام المدنية.
ثانياً: إن مرجعية هذا النظام هي القرآن والسنة العامة (أي التي تعد تشريعاً عاماً لكل زمان ومكان) وليس أقوال الفقهاء... فالقرآن الكريم لا إشكال فيه فهو المصدر الثابت للقواعد الإسلامية التي أتى بها كمبادئ تحكم النظام السياسي....
أما السنة فمنها ما هو ثابت صالح لكل زمان ومكان ومنها ما هو متغير فالسنة الثابتة هي ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه رسولاً مبلغاً عن ربه كأن يبين مجملاً في الكتاب أو يخصص عاماً أو يقيد مطلقاً أو يبين شاناً في العبادات أو الحلال أو الحرام أو العقائد والأخلاق فهذا تشريع ملزم لنا إلى يوم القيامة.
أما السنة المتغيرة فهي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه إماماً ورئيساً للدولة كأن يضع تشريعاً تنظيمياً معيناً أو يعقد معاهدة ما أو يقسم الغنائم على جماعة المحاربين فهذا تشريع ليس ملزماً إلاّ في وقته لأنه مبني على المصلحة الظرفية في عصره صلى الله عليه وسلم فهذه مسألة أصولية (من علم أصول الفقه) تعرض لها من العلماء ابن فرحون المالكي في كتابه (تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام) والإمام القرافي المالكي في كتابه (الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام وغيرهم....)
المصدر: صحيفة السوداني السبت 27 أكتوبر 2007م.
إن دعوة رشا إلى مراجعة الفكر الإسلامي مراجعة نقدية ومنهجية هي في الحقيقة ضرورة عصرية وواجب يفرضه الواقع للخروج من المأزق الذي تعيشه الأمة. وأما قولها (لتجاوز فكرة الدولة الإسلامية) وقولها (فكرة الدولة الإسلامية ليست جزءاً من العقيدة الإسلامية) يمكن الإجابة عليه بالمنهجية التي دعت إليها وبالقاعدة الفقهية لأحمد هلال الهاشمي (السنة فمنها ما هو ثابت صالح لكل زمان ومكان ومنها ما هو متغير فالسنة الثابتة هي ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه رسولاً مبلغاً عن ربه كأن يبين مجملاً في الكتاب أو يخصص عاماً أو يقيد مطلقاً) فأصطحب منهج رشا وقاعدة الهاشمي في التعقيب عليهما وعلى الدكتور محمد عمارة لأحقاً والدكتور محمد بن عمر بن سالم.
فأقول: (حوجة المسلمين لإقامة دولة نابعة من بشر....)
إن القانون الذي يسير مؤسسات الدولة هو الدين للحديث المشهور (الدين المعاملة) وإن القانون الذي يحكم أمن هذه الدولة والمحاسبة هو الدين في منهج الإسلام كما جاء في قصة يوسف وإخوته {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ*قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } (74-75) سورة يوسف.
فقانون السرقة عند إخوة يوسف هو أن يؤخذ السارق عقاباً له على سرقته وعقاب السرقة في عهد فرعون غير ذلك فالدين شرعاً ولغة هو قانون العقوبات فلا تخلو دولة من هذا القانون لضبط المجتمع.
وفي الإسلام قانون الحدود التي لا ينفذها إلاّ الحاكم فوجود هذه الحدود في التشريع الإسلامي آكد دليل على أن الإسلام (دين ودولة) قال تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة.
فالحكم يكون قولاً أو فعلاً أو الاثنين معاً فحكم المسلم غير الحاكم أن يعتقد أنّ كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو (كافر) وإلاّ وقع حكم الكفر عليه، وأما الحاكم المسلم فمهمته أعظم فهو إما أن ينفذ عقوبات الحدود على مرتكبيها أو يكون كفره بواحاً عندنا فيه من الله برهان كما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت:( دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان). أخرجه البخاري.
وبهذا يكون الإسلام دين ودولة في منهج الإسلام يحكم به الفرد المسلم المكون لشعب هذه الدولة ويحكم به الحاكم الذي يسوس هذا الشعب قال تعالى في سورة النور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1-2) سورة النــور.
فالسورة استهلت بالتشديد على تنفيذ ما جاء فيها من أحكام بينة (فَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) وربط تنفيذ حد الزنا بالإيمان بالله واليوم الأخر وتنفيذ الحد هو مسئولية الحاكم وأشرك الجمهور بقوله تعالى (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).
هذا هو الدليل على أن الإسلام دين ودولة ومن لم يطبق حدود الله وأحكامه قولاً وفعلاً وعملاً فليس من الدين في شيء.
الفصل الثاني
كيف يتم اختيار الخليفة
قال الدكتور محمد عماره في كتابه (إحياء الخلافة الإسلامية- حقيقة أم خيال):
(يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وأنه سيكون خلفاء)
رواه البخاري وابن ماجة والإمام أحمد.
وفي هذا الحديث النبوي الشريف نبوءة نبوية... وتوجيه نبوي بتميز السياسة في الدولة الإسلامية عنها في مواريث الأمم السابقة على أمة الإسلام... فقبل الإسلام كان السائد في طبيعة السلطة بمختلف الدول- عبر التأريخ والحضارات- هو (السلطة الدينية) التي تمزج وتوحد بين الدين والدولة، وتجعل سلطان الحاكم السياسي ديناً خالصاً، وشأناً من شئون السماء، الأمر الذي كان يعوق، بل يلغي سلطة البشر وسلطان الأمم والشعوب في تلك الأمم والحضارات.
ساد هذا في الكسروية الفارسية، عندما كان كسرى يحكم كاله أو ابن اله، فكان قانونه قانوناً إلهياً، لا حق لأحد في الاعتراض عليه أو المراجعة فيه. وساد هذا –كذلك- في القيصرية الرومانية- في عهد وثنيتها- عندما كان قيصر إلهاً- وفي عهد نصرانيتها- عندما كان البابوات يتوجون القياصرة والأباطرة تتويجاً دينياً- في الكنائس والكاتيدرائيات- فيمنحونهم سلطات الدين واللاهوت والكهنوت... بل وساد ذلك- أيضاً- تحت حكم البابوات، عندما جمعوا السلطة الزمنية- سلطة الدولة- إلى سلطتهم الحَبُرية الكهنوتية، فكانوا (بابوات- أباطرة) في ذات الوقت.
وقبل كل ذلك، سادت هذه الفلسفة- في طبيعة سلطة الدولة- في الفرعونية القديمة، عندما كان الفرعون إلهاً أو ابن إله، يقول للناس {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (24) سورة النازعات. ... {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (38) سورة القصص. .. {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (29) سورة غافر.
وفي ظل كل هذه الدول، لم تكن الأمم والشعوب مصدراً لأيه سلطة أو سلطان... كانت (دولاً دينية)- بالمعنى الكهنوتي لهذا الاصطلاح.
وحتى (الديمقراطية) التي عرفتها دولة مدينة (أثينا) في التاريخ الأغريقي.. والتي قالوا إن الحكم فيها كان للشعب بالشعب، فإن السلطة فيها كانت جميعها احتكاراً للقلة القليلة من السادة الملاك الفرسان الأشراف الأحرار.. ولم يكن لجمهور الناس، من الفقراء أو العامة أو الأرقاء أي حظ- في هذه الدولة (الديمقراطية) من السلطة والسلطان.
وعندما جاءت العلمانية الغربية- مع النهضة الأوربية الحديثة.. وفلسفة الأنوار الوضعية- فاختلعت هذه الفلسفة الكهنوتية والسلطة الدينية من أساسها، وأحلت سلطة الشعب محل اللاهوت، وجعلت الإنسان سيداً للكون، بدلاً من الله.. فإن آحادية مصدر السلطة وطبيعتها قد ظلت هي السائدة في هذه الدولة العلمانية..
ففي (الدولة الدينية) كان هناك (لأهوت- وسماء) وحكومة تحكم بالحق الإلهي، وباسم السماء، ولا وجود لسلطة الأمة والشعب..
وفي (الدولة العلمانية) أصبح هناك أمة وشعب، وحكومة تحكم باسم الأمة والشعب، ولا وجود لسلطان الحاكمية الإلهية والشريعة الدينية في تدبير سياسة هذه الدولة العلمانية ومجتمعاتها.
ومن هنا جاء امتياز نظام الخلافة الإسلامية وتميز فلسفة الحكم فيه عن جميع تلك الدول التي سادت عبر التاريخ الذي سبق أو غاير تاريخ الإسلام.
فالخلافة الإسلامية ليست دولة دينية، تلغي سلطة الأمة... وإنما هي دولة مدنية، تختارها الأمة.. وتفوضها... وتراقبها.. وتحاسبها.. وتعزلها عند الاقتضاء.. وهي- دولة الخلافة- تصنع سلطة الأمة في إطار سيادة الشريعة الإلهية، فتكون الأمة فيها مصدر السلطات، بشرط أن لا تجاوز سلطات الأمة فيها حدود الحلال والحرام التي تقررت في شريعة الله، لأن الإنسان- والأمة- في الرؤية الإسلامية الكونية: خليفة لله، ونائب ووكيل، وليس سيد الكون- وإنما هو سيد فيه..
وبهذا جمعت الخلافة الإسلامية، لأول مرة في تاريخ فلسفة الحكم، بين سادة الحاكمية الإلهية، وبين سلطة الأمة.. فكانت (الدولة) فيها مفوضة من الأمة، لا نائبة عن السماء... ومسئولة أمام الأمة، لا معصومة، فعّالة لما تريد، دون أن تسأل عما تفعل..وكانت دولة الخلافة مع أمتها مستخلفة لله- سبحانه وتعالى- وملتزمة بإقامة الشريعة الإلهية، التي هي بنود عقد وعهد الاستخلاف.. فالدولة- هنا- ليست سلطة دينية خالصة.. ولا هي متحررة من الشريعة الدينية، وإنما هي الدولة التي تحرس الدين، وتسوس المجتمع بهذا الدين، مع استمداد سلطانها من الأمة، وليس من الله والدين.. وهي وإن تولت شئوناً دينية- مع الشئون المدنية والدنيوية- فإن سلطتها ليست دينية بالمعنى الكهنوتي لهذا الاصطلاح...) انتهى الاقتباس
الآراء السابقة- وأعني قول رشا وأحمد هلال الهاشمي والدكتور محمد عماره- تمثل فكر التجديد الإسلامي لمفكري وعلماء هذا العصر ممثلاً بصوره عامة في الحركات الإسلامية من أفغانستان إلى المغرب.
وهناك في المقابل تيار سلفي يتحصن بالفكر السلفي الموروث الذي استنبطه فكر علماء السلف من نصوص القرآن والسنة تمسك به الخلف واعتبره جزءاً لا يتجزأ من أصلي التشريع الإسلامي (القرآن الكريم والسنة النبوية) أو قل أصلاً ثالثاً من أصول التشريع.   
أورد الشيخ الدكتور محمد بن عمر بن سالم بازمول في تاليفه (الجماعة والإمامة) تحت عنوان: (منهج السلف في الجماعة):
(تكلم بعض الناس من منظور حزبي محض، في تحديد الجماعة المرادة في الحديث، فجاء بتعريف وتحديد للجماعة يتنافى مع المقصود حتى أصبح سَعْيُ كثير منهم للجماعة ولزومها، السبب الرئيسي في مفارقتهم للجماعة، والمروق منها....
والناظر يجد في تحديد الجماعة ثلاثة مذاهب وهي التالية:
المذهب الأول في تحديد الجماعة:
الجماعة هي التي اتفقت آراء جميع المسلمين فيها على إمام واحد بعقد وبيعة...
فهذه هي التي يحرم الخروج عليها، وهي التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لحذيفة رضي الله عنه: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم...) الحديث
وقالوا: (يجب على المسلمين السعي لإيجاد هذه الجماعة وتنصيب الإمام المتفق على بيعته).
المذهب الثاني في تحديد الجماعة:
إنها الجماعات الإسلامية القائمة الآن المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها.
قلت: يعني كالإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وحزب التحرير وغيرها…
قالوا: لأنها كلها ليست إلاّ وسائل للدعوة جائزة.
وقالوا: إنه لا يضير المسلم أن يختار من هذه الجماعات- التي ليست إلاّ وسيلة للدعوة- جماعة، يراها أقرب إلى الحق والصواب، وهذا المذهب في حقيقته نتاج المذهب الأول، لأن أصحابه يريدون بهذه الجماعات أنها تحقق الطريق إلى الجماعة الأم بزعمهم.
المذهب الثالث في تحديد الجماعة:
هم القوم المجتمعون على الاستمساك بالكتاب والسنة الذين يؤثرون كلام الله تعالى على كلام كل أحد، ويقدمون هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، فالمستمسك بالكتاب والسنة، وعقد الاجتماع والعهد على ذلك، والوفاء به، وعدم نقضه، يفيد الاجتماع والائتلاف، اكتمال القوة واستحكامها، فلا تتناقض.
فالجماعة هنا هم المجتمعون على الحق، وإن كانوا قليلاً، وكان المخالف لهم كثيراً، فإن يد الله معهم، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل من بعدهم.
عن عمرو بن جمعون الأودي قال: قدم علينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع حبه في قلبي فلزمته حتى وأريته في التراب بالشام، ثم لزمت أفقه الناس بعده عبد الله بن مسعود فذكر يوماً عنده تأخير الصلاة عن وقتها فقال:
(صلوا في بيوتكم واجعلوا صلاتكم معهم سُبحة، فقلت له: وكيف لنا بالجماعة؟ فقال لي: (يا عمرو بن ميمون إن جمهور الجماعة هي تفارق الجماعة، إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك).
 قال أبو شامة رحمه الله: (وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وإتباعه وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف كثيراً، لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا ينظر إلى كثرة أهل الباطل).
وقال اسحق بن راهويه رحمه الله: (لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا: جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه ومن كان معه وتبعه فهو الجماعة)
وقال الشاطبي رحمه الله: (فانظر حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم، وهو فَهْمُ العوام لا فَهْم العلماء…)
وقال ابن القيِّم رحمه الله: (وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق علي إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال: (ما بلغني سنة عن رسول الله إلاّ عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكباً فما مكنت من ذلك). فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذي جاء فيهم الحديث: (إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم، وصدق والله، فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السواد الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاّه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً) (إغاثة اللهفان 1/70)
وقال أيضاً رحمه الله: (وأعلم إن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض… وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلاَّ نفراً يسيراً فكانوا هم الجماعة وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة:
(يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك والفقهاء والمفتون كلهم على باطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمهم لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل…)أهـ.
أقف في هذا الفصل على قول الدكتور محمد عماره (فالخلافة الإسلامية ليست دولة دينية تلغى سلطة الأمة.. وإنما هي دولة مدنية تختارها الأمة..)
وقول ابن القيم كما نقله الدكتور محمد بن عمر (إن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض) فالتعارض وأضح بين الرأيين وللإجابة عليهما بمنهج القرآن الكريم والسنة المطهرة يكون بالرجوع إلى مآل الأمة يوم القيامة الذي أحكمته وبينته وفصلته سورة الواقعة قال تعالى:  {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ*لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ*خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ *إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا*وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا*فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا*وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً*فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ*وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ*وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ*فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ*وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ } (1-14) سورة الواقعة.
فالسابقون زوجان (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ) وتقابلها ثلة قليلة من الآخرين هي زوج ثلة الأولين.
وقال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ*فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ*وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ*وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ *وَمَاء مَّسْكُوبٍ*وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ*وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ*إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ*ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} (27-40) سورة الواقعة.
وأصحاب اليمين في هذه الأمة زوجان (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ) يقابلها زوجها (وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) فتكون مع ثلة السابقين زوجان وزوجها الثالث هم أصحاب الشمال قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ*فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ*وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ*لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ*إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ*وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ*وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ*أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ*قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ*لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} (41-50) سورة الواقعة.
فأصحاب الشمال (أولون وآخرون) وبهذا تكون حصيلة عمل هذه الأمة في الدنيا يوم القيامة ثلاثة أزواج (أصناف)
[1]           السابقون: (أ) (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ) (ب) (وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ).
[2]           أصحاب اليمين: (أ) (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ) (ب) (وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ).
[3]           أصحاب الشمال: (أ) أصحاب الشمال من الأولين (ب) اصحاب الشمال من الآخرين.
هذا المآل النهائي لهذه الأمة يوم القيامة وحصيلتها من حصادها في عملها الدنيوي. فكل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إذا شرحت شرحاً صحيحاً سيتوافق مع هذا المآل الذي حددته سورة الواقعة وأي شرح أو فهم لنصوص الكتاب والسنة لا يخلص إلى النتيجة التي حددتها سورة الواقعة فهو حكم باطل لأنه يخالف حكم الله.
فأول الأمة معلوم هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم ثلة السابقين الأولين وثلة أصحاب اليمين هم من آمن به في حياته صلى الله عليه وسلم من الصحابة وأصحاب الشمال من الأولين هم من خالفه وكفر بدعوته.
وأما القليل من السابقين الآخرين زوج ثلة السابقين الأولين هم أصحاب المسيح سليمان أبي القاسم الذين يسبقون الناس في الإيمان به عند عودته وثلة أصحاب اليمين الآخرين هم من آمن به قبل موته في عودته وهم زوج ثلة أصحاب اليمين الأولين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما أصحاب الشمال الآخرين هم من كذب بالمسيح سليمان أبي القاسم موسى من الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين وما هم كذلك فهذه السورة خير برهان فهم زوج أصحاب الشمال الأولين الذين كفروا بنبوته صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو المآل النهائي وحصاد الأمة من عملها في الدنيا يوم القيامة وقد بين القرآن ذلك فقال تعالى لعيسى ابن مريم {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (55) سورة آل عمران. فعيسى المقصود هنا هو ذات سليمان أبي القاسم موسى لأن المسيح عند عودته يولد سودانياً في آل البيت وقد وضحت ذلك في منشورات كثيرة فأرجعوا إليها ومن شك وكذب بي أجاب عليه الحق عز وجل {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (55) سورة آل عمران. وللسنة برهان على ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكدر ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها). أخرجه الحكيم الترمذي وضعفه الرواة.
أقول: لكن معناه صحيح لأنه جاء تفصيلاً دقيقاً لسورة الواقعة ومنسجما مع روح ومعاني الحديث الصحيح التالي:
عن بُسْرُ بن عبد الله الحضرمي قال حدثني أبو إدريس الخَوْلاني: انه سمع حذيفة بن اليمان يقول:
(كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنّا في جاهلية وشر وجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال(نعم)
قلت:وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال(نعم وفيه دخن)
قلت: وما دخنه؟ قال:(قوم يهدون بغير هدْيي تعرف منهم وتنكر)
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)
قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)
قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
أخرجه البخاري حديث رقم (3606).
 فالحديث يطابق في معناه الحديث الضعيف قبله وكلاهما يطابق معاني سورة الواقعة فثلة الأولين ثلة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثلة الآخرين ثلة عيسى ابن مريم وأصحابه واسقط القرآن والسنة وسط الأمة ما بينهما فلا تلتفتوا إلى علماء الدخن الذين هم من جلدة الرسول صلى الله عليه وسلم والذين يتكلمون بلسانه من علماء المسلمين فإن هؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء. وإنما الذي يعيد هذه الأمة إلى الإسلام كما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو عيسى ابن مريم لا غير وهو سليمان أبو القاسم موسى الذي يقيم دولة الإسلام المدنية لأنه الإمام المختار من عند الله لا باختيار الأمة كما قال الدكتور محمد عماره سامحه الله ولا باختيار الصفوة أو النخبة كما جاء في حديث الإمام على قال:
(سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفها الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجراً لمن قتلهم، عند الله يوم القيامة).
أخرجه مسلم برقم (1066).
وعن عليّ أيضاً قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبون انه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما  يمرق السهم من الرمية) أخرجه مسلم برقم متكرر (1066).
فالسنة الصحيحة أخرجت الأمة عامة معها النخبة من حسبان الأمة ولم يبق للأمة إلاّ صاحب الحق الذي ذكره ابن القيم ولو كان وحده وخالفه أهل الأرض فلو أن اختياره من الناس لما كان وحده وكونه وحده دليل أنه مختار من عند الله لا من قبل جمهور الأمة ولا من النخبة من العلماء العاملة الناصبة التي تقيم الليالي ساجدة راكعة متهجدة بالقرآن تجيد تلاوته وتحسن الصلاة وتصوم رمضان وتحج بلا رفث ولا فسوق فالإمام هو المبعوث من عند الله وحده على منهاج خلافة وإمامة النبوءة كما طلب سيدنا إبراهيم من ربه كما جاء في القرآن {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين خليفة له من أصحابه لعلمه أنه شأن الهي وأما ما أشار إليه من خلافة أبي بكر وعمر وغيرهما هو من باب التنبؤ بالمستقبل. فعهد الله لا يمنحه الله للظالمين أي إن الإمام يختاره الله فلو كان أمر اختيار الإمام للأمة لما طلب إبراهيم عليه السلام من الله أن يختار الأئمة من ذريته ولأختار هو خليفته من أبنائه وعينه بنفسه لأن إبراهيم كان وحده أمة قال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (120) سورة النحل.كما إن الله تعالى لن يتخلى عن خصوصيته في اختيار خلفائه للظالمين وهم جمهور الأمة الذي قال تعالى عنهم في محكم كتابه  {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف.
وحتى عن هذه القلة المؤمنة قال تعالى عنهما {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف. وجاء في وصف الجمهور {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} (116) سورة الأنعام. فكيف يختار هؤلاء خليفة الله وأكثرهم مشركون ويسقط هذا الحق عن إبراهيم الحنيف الذي لم يكن من المشركين وفي المثل (فكل إناء بما فيه ينضح).
إذن الخليفة رجل يبعثه الله ويقوم في الناس وحده فمن أطاعه آمن ومن خالفه كفر إلى يوم القيامة.
وبالعودة للحديث عن الدولة المدنية التي ينتظر المسلمون إقامتها، فإن قيام هذه الدولة يتطلب أن يتساوى غير المسلم مع المسلم في الحقوق والواجبات وهو موضوع الفصل القادم.
الفصل الثالث
دولـة الإسـلام المـدنية
يتطلع مفكروا العالم الإسلامي نحو دولة إسلامية مدنية تواكب ركب الحضارة يتساوى فيها المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات وإن دولة إسلامية بهذا الوصف تتطلب معالجة قضايا أساسية في تشريع الإسلام مؤصلة بآيات محكمة وسنة عملية مارسها وطبقها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده فالشريعة الإسلامية تأخذ من غير المسلم الجزية قال تعالى {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (29) سورة التوبة.
والإسلام ترك لأهل الكتاب خيار الاحتكام إلى تشريع الإسلام أو عمل محاكم أحوال شخصية خاصة قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (42-43) سورة المائدة.
فالحاكم المسلم غير ملزم للحكم بين أهل الكتاب حتى إذا طلبوا منه ذلك وفي هذا دليل على أن أهل الكتاب لا يكرهون على أحكام الإسلام بما يخالف أحكام كتابهم.
 وفي الدولة المدنية لا بد من توحيد التشريع ليطبق على المواطنين دون تمييز ديني ولا يحق لأي خليفة مسلم أن ينسخ هذه الأحكام الواردة في هذه الآيات إلاّ خليفة حدده الرسول صلى الله عليه وسلم وخصه من بين خلفاء هذه الأمة لأداء هذه المهمة على القاعدة الفقهية التي ذكرها أحمد الهاشمي: (أو يخصص عاماً أو يقيد مطلقاً) هذا الخليفة هو المسيح عيسى ابن مريم عند عودته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، بين مهردتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرتع الأسود مع الإبل والنّمار مع البقر والذئاب مع الغنم ويَلْعَبَ الصبيان بالحيات لا تَضرَهم فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون).
رواه أحمد واللفظ له وروى أبو داود نحوه التصريح حديث رقم (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً ، يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد -أي الطفل الصغير- يده في فيّ الحية – أي في فمها – فلا تضره، وتفرّ الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها.وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلاّ الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها.وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة  فتشبعهم). رواه ابن ماجة بإسناد قوي التصريح حديث رقم 13.
وعودة عيسى ابن مريم في هذه الأمة تكون بميلاده في آل البيت بدلالة الحديث الأتي:
روى أبو داوود عن  طريق عِمير بن هاني سمعت عبد الله بن عمر يقول:  } كنا قعوداً عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها ، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الإحلاس ؟قال: هي حرب وهرب ،ثم فتنة السراء  دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، إنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس علي رجل كورك علي ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، حتى إذا قيل إنقضت عادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلي فسطاطين  فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم  فانتظروا الدجال من يومه أو غده { رواه أبو داوود وأحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فالحديث يتكلم عن ثلاثة أشخاص (رجل من أهل بيتي....ويصطلح الناس على رجل... فانتظروا الدجال) التصريح بالدجال في الحديث يوحي بأن الرجلين الآخرين أحدهما المهدي والآخر المسيح ابن مريم وبما أنه معلوم من الحديثين السابقين إن المسيح ابن مريم يملك في الأرض ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال فإن وصف الرجل الذي يصطلح عليه الناس كورك على ضلع – الذي يضرب مثلاً للأمر الذي لا يستقيم- ينطبق على المهدي غير عيسى لأن أمر الملك لا يستقيم له لأن الدجال يحاصره كما أفادت بذلك نصوص السنة النبوية. فيكون حتماً إن الرجل من آل البيت الموصوف بـ(يزعم أنه مني وليس مني...) إنما هو المسيح عيسى ابن مريم لأن وصف (وليس مني) لا يمكن أن يتصف به أي مهدي غير عيسى ابن مريم لنفي نسبه في الجزء الأخير من الحديث وفي المقابل لا ينطبق هذا الوصف (وليس مني ) إلا على عيسى ابن مريم لأنه ليس بضعة من أبويه فهو يحمل صفة مزدوجة (رجل من أهل بيتي ) بقول صريح يثبت نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ونص صريح من المسيح نفسه (يزعم- أي هذا الرجل- إنه مني وليس مني ) فهذا النسب لا ينطبق على أحد من الخلق إلا على عيسى ابن مريم. أي أن عيسى ابن مريم يقول(أنا من آل البيت ولست منهم ) منهم لأنني ولدت من أبوين ينتميان بنسب صريح للحسين بن علي من فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم (ولست منهم ) لأنني لست بضعة من احد كما قال تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ*الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ} آل عمران (59-60).
فعيسى في الآيتين ليس بضعة من مريم فهو (منها وليس منها) وإنما كمثل آدم لا صلة نسب له بأحد .وهو معنى (وليس مني) في الحديث . وكونه سليمان أبو القاسم لأنه هو الذي زعم هذا الزعم لأن ردّي للناس عندما يقولون لي: كيف تكون أنت عيسى إبن مريم ونحن نعرف أمك وأباك فأقول: (أنا لست بضعة من أمي أو أبي  )وعليه فإن الشخص المذكور في الحديث (رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني ) إنما هو سليمان أبو القاسم موسى وهو شخص المسيح عيسى ابن مريم.
 وهو الشخص الوحيد في هذه الأمة الذي يحق له شرعاً من خاصة المسلمين وعامتهم بإقامة الدولة الإسلامية المدنية التي تعتمد على العلوم الطبيعية التي ينتجها العقل البشري بالخبرة والتجربة
الفصل الـرابع
عـلاقة الـدين بالعـلم
الحقيقة المعلومة من القرآن هو أن هذا الكون خلقه الله وسخره للإنسان بسمائه وأرضه وأنعامه وكنوزه وعلى سبيل المثال لا الإحصاء قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (29) سورة البقرة.
وقال تعالى {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (22) سورة الذاريات.
وقال تعالى {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (66) سورة الإسراء.
وقال عزً وجل {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ*لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (12-13) سورة الزخرف.
قال تعالى بالإجمال {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ*وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ*وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (32-34) سورة إبراهيم.وقال تعالى (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (13) الجاسية .
هذا التسخير مقرون بالكسب نتيجة الجد والكد قال تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (4) سورة البلد.
ان كل علوم الحضارة التي توصل إليها إنسان الحضارة اليوم لم تكن غائبة من إحصاء القرآن فالله هو الذي أعطى هذه المواد خصائصها الفيزيائية والكيميائية ووضعها  فيها بصوره فطرية طبيعية قال تعالى {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} (50) سورة طـه. ثم أنار عقل الإنسان وأعطاه المقدرة لاكتشافها {ثُمَّ هَدَى} (50) سورة طـه.
فالإسلام دين علم، فالعقل البشري من صنعه وخلقه فالله لا يزدري خلقه ويستخف به بل أعطى العقل مكانته فأخص المسائل الدينية المتعلقة بالعقيدة والعبادة طرحها الله تعالى أسئلة أمام عقل البشر أنظروا إلى هذا الجدل والحوار قال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (4) سورة الأحقاف.
فالكتاب المراد به المنزل من عند الله وسياق الآية فإن لم تأتوا بكتاب فأتوني بدلاً منه بعلم عقلي من تفكير البشر واشترط أن يكون هذا العلم (أَثَارَةٍ) من آثار السلف أو علم حديث (أَثَارَةٍ) يؤثر على غيره ويفضل بسبب الوثوق من صحته وبراءته من الخطأ.
فالله تعالى حض الإنسان على الكسب الحلال والتمتع بخيرات الأرض في الدنيا إلى الجانب الآخر قال تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص.
وحديث تأبير النخل(أنتم أعلم بشؤون دنياكم) فيه إطلاق للعقول في الاعتماد على الخبرة والعلم التجريبي ليس في الزراعة فحسب بل في شتى أنواع العلوم التي تعود بالمنفعة على المسلم في دينه ودنياه .
وأما ما نراه اليوم من تخلف المسلمين عن غيرهم في العلوم أسبابه عديدة وليس الدين الإسلامي منها .ولكن للحكام دور في عدم توجيه اهتمامهم بتطوير شعوبهم وإبقائهم على درجة من التخلف عن قصد والسبب الآخر هو احتكار الغرب للمعرفة ومحاولة ضرب وتخريب كل محاولة للنهضة الإسلامية وإغراء كل العقول المسلمة أو القضاء عليها كما حدثت اغتيالات لكثير من العلماء الأفذاذ حتى لا يقوموا بدور نهضوي في بلادهم الإسلامية وعلى سبيل المثال تدمير المفاعل النووي العراقي على يد إسرائيل وتفكيك المنشآت النووية العراقية على يد أمريكا وإسقاط الطائرة المصرية التي تقل العلماء المصريين على مشارف الولايات المتحدة كل ذلك أسهم في تخلف المسلمين .
فالإسلام دين نهضة لأنه يشجع العلوم الدنيوية إلى جانب الدينية فالحضارة الإسلامية التي انتشلت الغرب من ظلمات القرون الوسطى هي التي أدت إلى النهضة الأوربية الحديثة فالحضارة الغربية هي وليدة الحضارة الإسلامية       ولا يزال الإسلام قادر على العطاء وإن المرحلة القادمة هي مرحلته والغرب على وعي تام بذلك وهو سر عدائهم للإسلام والغيرة هي التي جعلت الغرب يخرج بعدته وعتاده في ضرب الإسلام والمسلمين بقساوة أينما وجد الإسلام ووجدوا المسلمين في العملية التي أطلقوا عليها (صراع الحضارات).
وذلك إدراكاً منهم أن الفكر الإسلامي قادر على مجاراة الغرب والتفوق عليه وإقامة دولة مدنية تفوق مدنية الغرب حضارةً وتقدماً وعدالة .
الخـــــــاتمة
إن تطور الإنسان الطبيعي في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا يواكبه التشريع الإسلامي إلاَّ بتشريع يتساوى فيه المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات لإقامة الدولة المدنية الإسلامية، دولة العدل والمساواة. ولا يجوز شرعاً لأحد من هذه الأمة أن ينسخ تشريع الزكاة عن المسلم والجزية عن الكتابي وإلغاء الاحتكام إلى كتابهم وإلزامهم بتشريع الإسلام هذا الحق موقوف شرعاً على عيسى ابن مريم وأي محاولة لأحد من هذه الأمة لإقامة الدولة المدنية فإنه سيهدم الدين ويوقع في الحكم بغير ما أنزل الله وينطبق عليه حكم الله بالكفر.
ومن هنا أقول لقد انتهى  دور كل من يمني نفسه بالتطلع إلى الخلافة الإسلامية أو خروج المهدي محمد بن عبد الله – أو محمد بن الحسن العسكري أو أي خلافة إسلامية غيرهما بأن الوقت نطق بإمامه وخليفته وحدد إمامه بأنه (المسيح عيسى ابن مريم ) وأن النصوص أثبتت أنه شخص سليمان بن أبي القاسم بن موسى.
وهنا تأتي أهمية دعوة رشا عوض (الفهم التقليدي للشريعة الإسلامية المتمثل في الأحكام التي أجمع عليها جمهور فقهاء أهل السنة لا يصلح للتطبيق في الظروف المعاصرة ،وتجاوز هذا الفهم لا يتم بمساجلات ....فالتجاوز يحتاج إلى طرائق تفكير جديدة ومناهج جديدة في فهم النصوص المؤسسة للشريعة الإسلامية (القرآن والسنة النبوية)).
قال الدكتور محمد عماره في كتابه (إحياء الخلافة الإسلامية)
(وكان فقيه الشريعة الإسلامية وإمام القانون الحديث عبد الرازق السنهوري باشا (1313 – 1391هـ 1895 – 1971م) من أبرز الذين توفروا على دراسة تاريخ الخلافة الإسلامية وفقهاء القانون الدستوري... في إحياء الخلافة وتجددها- فكتب ضمن ما كتب- بدراسته عن (الإسلام دين ودولة):
(إن حكومة الخلافة- السلطة التنفيذية في الإسلام- إن الخليفة ليس حاكماً مدنياً فحسب، بل هو أيضاً الرئيس الديني للمسلمين.
ومعنى أنه الرئيس الديني للمسلمين، أن هناك مشاعر عامة يقوم بها المسلمون جماعة كصلاة الجماعة، والحج، وهذه لا تتم إلاّ بإمام:هو الخليفة، لذلك نطلق كلمة إمام خاصة على الخليفة إذا تولى اختصاصاته الدينية ونطلق عليه لقب أمير إذا تولى اختصاصاته المدنية...).أهـ .
نقل الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (من فقه الدولة في الإسلام) قول ابن تيمية في (السياسة الشرعية ) ضمن فتاوي الشيخ ابن تيمية صفحة 390391 : (ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد...الخ) .
وذكر الدكتور القرضاوي في نفس كتابه : وصف الحسن البصري للإمام العادل (بأنه الذي يقوم بين الله وعباده يسَمَع من الله ويُسمِعَهم وينظر إلى الله ويُريهم وينقاد إلى الله ويقودهم).
وفي قول البصري هذا دليل على أن الخليفة يختاره الله فهو الواسطة بين الخالق والخلق يستمد من الله ويمد الأمة. فإذا مات آخر خليفة لله قفل باب الإيمان بالله لفقدان الواسطة بين الخالق والخلق الذي بمثله الخليفة فلا إيمان بالله البتة من دون إتباع خليفة له في الأرض .
فالخليفة الذي لا تقوم شعائر الإسلام إلاّ به كصلاة الجمعة والجماعة وأداء مناسك الحج إلاّ تحت إمرته هو الذي أخرج الأمة بأسرها عن الإسلام بعد مقتل الإمام على وإجماع الأمة على معاوية. ويستمر هذا الانقطاع إلى حين إتباع الأمة خليفة الله سليمان أبي القاسم موسى المسيح المهدي ليلحق ثلته ثلة الآخرين بثلة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلة الأولين في (سورة الواقعة)- وبين الثلتين- أعمال المسلمين من حج وصلاة جمعة وجماعة،{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء}
إن الفكر الإسلامي المعاصر توصل بصورة طبيعية إلى أن إمام الناس في هذا الزمن المعاصر هو المسيح وكل ما هو مطلوب من العلماء النظر بجدية إلى دعوة سليمان أبي القاسم موسى.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق.
الحمد لله رب العالمين
المسيح  المهدي المحمدي/ سليمان أبو القاسم موسى
شوال 1428هـ نوفمبر 2007م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق