الأربعاء، 1 يونيو 2016

عودة المسيح عيسى بن مريم في القرآن



بسم الله الرحمن الرحيم


 أود في هذه النشرة الموجزة ، أن أبين للناس مكان وكيفية نزول عيسي وزمن مجيئه معتمداً في ذلك على القرآن وحده، دون الأحاديث النبوية ، لأسباب هي :
(1)أن القرآن كمرجع متوفر في كل مكان، ويمكن للناس مراجعته للوقوف على النصوص، ولا يتيسر هذا في الأحاديث.
(2)أن القرآن محفوظ من التحريف، وإدخال الموضوع فيه، ولا توجد عصمة القرآن هذه في الأحاديث.
(3)هنالك طائفة من الناس لا تتمسك إلا بالقرآن وحده كمصدر لتشريع الإسلام وعلىّ أن أخاطبهم من منطق عقيدتهم .
(4)لما كانت الأحاديث لا تعارض حكم القرآن بل توافقه أمسكت عنها للاختصار.
وبناء على هذا فإني لا أعتمد إلا على شرح القرآن بالقرآن أو قاعدة اقرها لشرحه وامسك عن مثل قوله تعالى ( وما اتاكم الرسول فخذوه) الحشر الاية(7). لانها تعني شرح القران بالحديث
وشرح القرآن للقرآن تشير إليه الآية (1) من سورة هود بقوله تعالي :) الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (فمن شرح مفصل القرآن لمحكمه يعلم الناس المقصود . قال تعالي : )  حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (فصلت الآية 1-3 . ) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا ( أي بلغتهم، كقولــه تعالي ) نَزَلَ بِـهِ الـرُّوحُ الْأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (  الشعراءالآية 193– 195. أي نزل بلغة العرب ولم يتقوله الرسول صلي الله عليه وسلم .
وعلى هذا فإن فهم القرآن تقرره الدلالة اللفظية للجملة أو العبارة أو الكلمة العربية . يقول تعالي:) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا( الرعد الآية 37. وحكم العرب هو ما تعنيه لغتهم. وليست أحكامهم في التعاملات التي وصفها القرآن بقوله: ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(المائدة الآية 50. ولما كانت لغة العرب قد تدل على الأشياء بالتصريح أو التلميح والتلويح ، فقد جاء القرآن بإقرار هذا الحكم . قال تعالي: ) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهـُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد الآية 30. يؤكد القرآن في هذه الآية أن التعرف على المقصود ممكن بعرض أوصافه أو الإشارة إليه في لحن القول دون ذكر اسمه صراحة. وهذا هو المنهج الذي أتبعته الكتب السابقة في تعريف الرسول صلي الله عليه وسلم بوصفه بالأمي، وأنه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ولم يذكر صراحة بأن اسمه محمد بن عبد الله ، ويولد بمكة في عام الفيل ومن قبيلة قريش  بل قال تعالي في وصفه: )الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهـُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ(الأعراف الآية 157. وكان هذا كافياً ليقول عنهـم: ) الَّذِينَ آَتَيْنـَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ( البقرة الآية 146 .

تنبيه هام :

قال تعالي: ) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ( الزمر الآية 23. وأمـر تعالي بإتباع الأحسـن فقــال: ) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ( الزمر الآية55 . فالقرآن متشابه، أي أن  معانيه يشبه بعضها بعضاً ، ولا تختلف بمعارضة بعضها حكم البعض، وأنه أي القرآن  مثاني ، بمعني أن الآية الواحدة تدل على أكثر من معني في ظاهرها. ونبه على أهمية هاتين الصفتين بصفة خاصـة في قولـه تعالـي : ) أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ( وقال ) تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ( أي أن الآية الواحدة تدل على أكثر من معني واحد ظاهرياً .
فالقرآن زوجي المعاني، ثنائي المقاصد. وتلك هي القاعدة التي أقرها القرآن نفسه لفهمه وشرحه لمعرفة أحكامه والدلالة على مقاصده حتى لا تجرف الناس مزالق الأهواء فيتنكبوا جادة المحجة البيضاء . وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر .

فصل :

وفاة المسيح ورفعه

قال تعالي: ) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ( آل عمران الآية 55 .وقال تعالي : ) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ( النساء الآية 157 – 158
آية آل عمران أكدت وفاة عيسي بقوله ) مُتَوَفِّيكَ ( وآية النساء 157 أكدت عدم قتله  )وَمَا قَتَلُوهُ( ولما كان القرآن متشابهاً متوافقاً لا يخالف بعضه بعضاً، بقوله تعالي : ) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( النساء الآية 82 . ولما كان القتل يعني الموت ، بقولـه تعالـي: ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ( النساء الآية 93 ، فبتدبر هذه الآيات نجد أن وفاة عيسي عند رفعه لا تعني موته ، وذلك بالجمع بين آية آل عمران 55 وآية النساء 157 ، ولما كان القرآن يشرح بعضه بعضاً ، نجد شرح وفاة عيسي في قوله تعالي: ) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى (الزمر الآية 42 . إذن وفاة عيسي عند رفعه ليس موتاً .

وفاة عيسى تعنى تلاشى جسده

سمى الله تعالى النوم وفاة في آية الزمر(42)السابقة وكل فرد من هذه الأمة يعرف أن الوفاة بهذا المعنى يقصد بها تعطيل(السمع والنظر والشم والذوق واللمس) وأن أدوات هذه الحواس هي(الأذن والعين والأنف واللسان والجلد) وأن هذه الحواس في الحقيقة هي جسد الإنسان كله المكون لبشريته في صورته الآدمية ولكن الوفاة عند عيسى ابن مريم تختلف عن وفاة الآدميين بسبب اختلاف نشأة الآدميين المتكونة من الطين – أي المادة البشرية الناشئة من امتزاج ماء الأب مع ماء الأم وبعد ذلك يتم نفخ الروح فيه- أما تكوين عيسى فإنه بدأ روحاً ثم تشكلت روحه بعد نفخها في بطن أمه جسداً، ولم يكن جسده من ماء أمه- أي ليس من طينة أمه الآدمية - ولكن نشأ خلقاً مستقلاً عن أمه .

ولما كانت الوفاة تعنى تعطيل الحواس المكونة لبشريته فان وفاة عيسى كانت بتلاشي هذه الحواس حتى لا تدرك المحسوسات فأدى ذلك إلى تلاشى بشريته وصورته الآدمية ، وعاد إلى اصل بدئه روحاً، وجاءت بلاغة القرآن باستخدام لفظ (وفاة) بدلاً عن كــلمة (نوم) لان الوفاة(الموت) يتحلل فيها الجسد ويرجع إلى اصل تكوينه الترابي ، فاستخدمت كلمة وفاة هنا لعيسى ليرجع إلى اصل تكوينه الروحي ولا يحدث ذلك عند النوم ، وعند موته بعد عودته لا يتلاشى جسده في روحه ولكنه ينفصل عنها لتعرج (روحه) إلى بارئها مخلفة (جسده) في الأرض ليقبر فيها.

فصل :

رفع عيسي إلي الله روحاً لا جسداً

قال تعالي : ) إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ( النساء الآية171 .
وقال تعالي: ) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا (الأنبياء الآية 91 . وقال تعالي: ) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ( التحريم الآية12 .هذه الآيات تبين أطوار خلق عيسي على هذا التوالي :
نزل روحاً من الله وألقي في بطن مريم روحاً وهذه الروح تحولت إلي كلمة الله الواردة في قوله تعالي: ) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ( آل عمران الآية 45 .  وهذه الكلمة شكلت طينة عيسي وصورته البشرية  بتحولها بلفظة (كن)  يقول تعالي: ) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( آل عمران الآية 47 . فكان تكوين عيسي الجسماني ومادته الترابية وتخلقها إلي بشر سوى راجع إلي روح الله التي ألقاها إلي مريم ، إن عيسي ابن مريم عند وفاته ورفعه إلي الله ، عاد إلي حالة الروح الأولي قبل نزولها ونفخها في بطن مريم ، على القاعدة التي أقـرها القرآن نفسه في قولــه تعالي : ) كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ( الأنبياء الآية 104 .
آية الأنبياء هذه حددت الحـالة التي تكون عليها الذات المتوفاة، وهي تحللها ورجوعها إلي أصل تكوينها بصورة عكسية. وعلى هذه القاعدة فإن جسد عيسي ابن مريم  رجع إلي عنصره المكون له، وهو الروح فعاد إلي الله روحاً بالرفع إليه كما بدأ بالنزول منه . وهذا ما يؤكده قوله تعالى :) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ( المعارج الآية4. فإن الروح هي التي تعرج إلى الله بصريح الآية فلا اجتهاد مع النص.
تنبيه :
القاعدة العلمية المستوحاة من آية الأنبياء (104) هي نفس القاعدة التي أثبتها العلم الحديث بأن جسد الإنسان يتحلل بعد الوفاة إلي عناصره الأولية المكـونة له ويتلاشى فيها )وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(النساء الآية 87 .

فصل :

عودة عيسي ابن مريم

قال تعالي ) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ( آل عمران الآية 55 .
يلاحظ أن هذه الآية أكدت حقيقة أن عيسي متبع  إلي يوم القيامة ، ومن لم يتبعه إلي يوم القيامة كفر ، ومرجعية هذا الحكم هي استخدام الحرف (إِلَى) الذي يفيد الظرف الممتد إلي يوم القيامة دونما انقطاع .
ومن قال بعدم عودة عيسي ، فإنه يحكم ضمناً بأن إتباعه المذكور في الآية يكون للنصارى، وفى هذا الاعتقاد نسخ للقرآن وأتباع للإنجيل إلي يوم القيامة  وهذا باطل لان إتباع المسيح بالإنجيل انقطع ببعثة النبي الأمي بالقرآن  يقول تعالي : ) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ( الأعراف الآية 157. 
ولكي يتبع عيسي إلي يوم القيامة وفق آية آل عمران 55 ، لابد من أن يرجع ثانية إلي الأرض . وهذا يؤكد حتمية عودته في هذه الأمة .
ولما كان الرفع إليه تعالى فان العودة تكون بالتنزل ، وهو أيضا ً يتم للروح . قال تعالى : ) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ( القدرالآية4. والمقصود بالروح هنا عيسى ابن مريم وليس جبريل عليه السلام لأنه من الملائكة ، وهذا أيضا دليل صريح من القرآن بعودة عيسى ونزوله روحاً واكرر لا اجتهاد مع النص الصريح.

فصل :

يلده أبوان من أهل البيت

قال تعالي : ) كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ( الأنبياء الآية104. قد أوضحنا في الفصل السابق أن عيسـي ابن مريم نزل من الله روحاً ، وهذه الروح تخلقت إلي بشر سوي في بطن مريم، وأنه ولد ولادة طبيعية فإن نفس هذه الآية تؤكد ميلاده ثانية وفقاً لقاعدة متشابه القرآن ومثانيه. وهنالك شواهد أخري من القرآن تدل على هذا الميلاد الثاني . يقول تعالي : ) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ( آل عمـران الآية46 . والكهولة في حكم العرب هي السن قبل الشيخوخة . وعليه فإن العرب يحكمون بميلاد عيسي ثانية في هذه الأمة ، منذ نزول هذه الآية على النبي صلي الله عليه وسلم ، لأنه تجاوز الكهولة ودخل سن الشيخوخة قبل نزول هذه الآية . فعيسى بشر مثل الأنبياء ، يمر بأطوار العمر المختلفة ، كلما تقدم به العمر . فقد شاخ شعيب عليه السلام يقول تعالي على لسان ابنتيه : ) وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ( القصص الآية 23. وشاخ إبراهيم عليه السلام قال تعالي على لسان زوجته : ) أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا (هود الآية72 . وشاخ يعقوب عليه السلام ) قَالُوا يَاَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ( يوسف الآية78. فلا استثناء لأحد من حكم الله في قوله:) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ(يس الآية 68.
فلو لا ميلاد عيسى ابن مريم ثانية في هذه الأمة لكلم الناس شيخاًً بميلاده الأول لان حكم آية (يس) ينطبق عليه ) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ( وجاء تنبيه الآية لغفلة الناس عن هذا الحكم لاعتقادهم بأنه سيكلم الناس كهلاً آخر الزمان وان ذلك لا يكون إلا بالميلاد الثاني، فنبه على ذلك بقوله ) أَفَلَا يَعْقِلُونَ(.
وهنالك إشكال ظاهري في ميلاد عيسي الأول برز في قوله تعالي : ) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( آل عمـران الآية 59 – 61. هذه الآيات نفت أمومة مريم لعيسي . فقد أسقطت هذه الآية الأمومة .
فقال تعالي : ) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ( ولم يقل (إن مثل عيسي ابن مريم عند الله) بل قال : ) خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( وشبه خلقه بخلق آدم الذي لم يكن له والد ولا والدة، ولم يقل (مثل حواء) اذ لم يكن بضعة من مريم ، كما كانت حواء بضعة من آدم، بل خلقه من تراب، وأمر الله رسوله أن يتحدى النصارى بهذا الفهم الجديد الذي فاجأ النصارى. ويلاحظ أن التحدي كان بأهل بيته صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي :(أبناءنا ، ونساءنا ، وأنفسنا ) وفي هذا حكم في غاية الأهمية نعود إليه فيما بعد.
ولما كان القرآن متشابهاً، أي يوافق بعضه بعضاً. وبالجمع بين هذه الآيات نعلم هذه الحقيقة في شأن ميلاد عيسي الأول وهي: أن مريم إبنة عمران والدة وما ولدت عيسي المسيح في نشأته الأولي .
قال تعالي للرسول صلي الله عليه وسلم : ) لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( البلد الآية 1-3 . وهذه الآيات تؤكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم والد وما ولد. ولما كانت مريم والدة وما ولدت،والشأن هنا متعلق بعيسي، فكون هذا الوصف الواقع على مريم ابنة عمران ينطبق على الرسول صلي الله علـيه وسلم في قوله تعالى: )وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( ففي هذا تلحين إلي أن عيسي يلده رجل من آل بيـت الرسـول صلي الله عليـه وسـلم علـى قاعـدة: ) وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ( ويؤكد ذلك قولـه تعـالي: ) نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ( وهذه سمات على ميلاد عيسي في آل البيت على قاعدة ) فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ( في ميلاده الثاني كما كان ميلاده الأول في بيت آل عمران، والشاهد قوله تعالي :) أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ( وهي اللطيفة التي أشـرت إليها من قبل، وعلى نفس قاعدة ) كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ( فقد بدأ بنزوله روحاً في بطن امرأة من آل عمران، وتخلق فيها طينة  وولد طفلاً ، فانه يعود روحاً وينزل روحاً في بطن امرأة من أل البيت ويتخلق فيها طينة ويولد طفلاً  (نساءُ) وزوجها من أهل البيت (أبناء) فالضمير في (نساءنا وأبناءنا ) يعود إلي أهل البيت .
وخلاصة آية المباهلة  والحكمة التي حاج بها رسول الله صلي الله عليه وسلم النصارى بأهل بيته شخصياً بشأن عيسي ابن مريم  لأنه يولد في آل البيت النبي كما ولد في بيت آل عمران . وهذا ما يؤكده أيضاً قوله تعالي : ) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ( الأحزاب الآية40 . وقوله تعالي ) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ( أكد معني قوله تعالي : ) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( وربطت الآية بين نفي الأبوة وختم النبوة . فالنصارى يعتقدون أن خاتم الأنبياء هو عيسي ابن مريم ، هذا إلي جانب أن كثيراً من علماء المسلمين يعتقدون أن المسيح عيسي يعود نبياً، فجمعت الآية بين نفي الأبوة وختم النبوة حتى لا يعتقد الناس أن عيسي هو خاتم الأنبياء بميلاده الثاني في آل البيت، بقرينة الحال التي تتحقق بها المعرفة، وينبني عليها الحكم الشرعي وفقاً لما قدره الله تعالي في الكــتاب بقوله )فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ( وذلك بقرائن التشابه في هذه المعادلة :
·       محمد صلي الله عليه وسلم والد وما ولد + أبناءنا ونساءنا وأنفسنا = النتيجة = ما كان محمد أبا أحد من رجالكم .
·   ومريم أبنه عمران والدة وما ولدت + وأبناءكم ونساءكم وأنفسكم = النتيجة = عيسي المسيح. )خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(
فالنتيجة أن عيسي يلده رجل من أهل البيت ، في قوله ( أبناءنا ) متزوج بامرأة من أهل البيت، في قوله ( نساءنا ) ولا تربطه صلة البتة لا بأمه ولا بأبيه ، بشاهد القرآن ) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ( والمقصود بالرجل هنا هو عيسي المسيح المهدي  الذي من أهل البيت وهذا ما حكم به القرآن في قوله تعالي: ) كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ( ولا يعود عيسي ابن مريم إلا بميلاده الثاني في هذه الأمة .

فصل :

مكان الميلاد

قال تعالي : ) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ( الكهف الآية86 .
حرفا الجر(في وعند) في هذه الآية ظرفا مكان، ولما كانت الشمس الظاهرية لا تغرب في أي مكان في الأرض يسكنه قوم أو شعب من شعوبها، فلا بد أن يكون المقصود بها غير هذه الشمس المعروفة للناس ظاهرياً بطلوعها من المشرق وغيابها في المغرب. وإلا عاب الناس هذه الآية على القرآن .
فلا أحد يستطيع إقناع الناس بصحة القرآن إلا بصرفها عن ظاهرها ليكون تأويلها أن المقصود بها هو عيسي ابن مريم وأن العين الحمئة هي طينة أبويه لأن الإنسان خلق من الحمأ يقول تعــالي : ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ( الحجر الآية 26 . وتغرب: جهة الغرب، وصفة:الغياب في الأرحام بنزوله في آل البيت كما بينت الآيات السابقة ، وأستدل على ذلك بشرح القرآن نفسه بنفسه ، وكفي بالله شهيداً .
فقد وصف الله سبحانه وتعالي سيدنا يعقوب عليه السلام بالشمس قال تعالي في رؤيا يوسف عليه السلام: ) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ( يوسف الآية 4 . وفسر القرآن الشمس بأنها يعقوب عليه السلام في قوله تعالي : ) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبـْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ( يوسف الآية 100 . فيعقوب عليه السلام هو الشمس حقاً بدون استخدام أداة تشبيه .
ونجد مثالاً آخر في القرآن . قال تعالي : ) يَاَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( الأحزاب الآية45-46 . فقد وصفت هذه الآية النبي صلي الله عليه وسلم بالسراج المنير . ونجد القرآن فسر السـراج بالشمــس في قوله تعالي : ) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ( نوح الآية 16 . فالرسول صلي الله عليه وسلم هو الشمس . ولما كان هنالك تشابه بين ذي القرنين وعيسي ابن مريم بلحن القول في(ذي القرنين) لأن عيسي ابن مريم ذو قرنين، أي إمام قرنين، قرن في بعثته رسولاً نبياً، وقرنٍ ثانٍ في عودته مهدياً لا نبياً، فإنه هو المقصود بهذه الشمس التي تغرب في عين حمئة في هذه الآية .
وبما أن آدم خــلق من الحمأ ، وأن مثـل عيسي كمثل آدم، فإنه الشمس التي تغرب في هذه العين الحمئة، وأن الحمئة هي طينة من يلده من أمة النبي صلي الله عليه وسلم وهو رجل من آل البيت ، وتلده زوجته كما بينا في الفصل السابق .
ولما كان هذا الفصل مخصصاً لمكان الميلاد، فإن دقة اختيار ألفاظ القرآن استخدمت كلمة (تغرب) بدلاً من(تنزل) لتعطي كلمة (تغرب) معني مزدوجاً مثانياً هو :تغرب صفة وتعني الغياب في صلب من يلده . وتغرب جهة وتعني الغرب  والغرب يقاس من موقع نزول القرآن أي غرب الجزيرة العربية . أي أن عيسي ابن مريم يولد ثانية في أهل البيت غرب الجزيرة العربية .

فصل :

يعود عيسي مهدياً لهذه الأمة

قال تعالي: ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( التوبة الآية 33 و الصف الآية 9 .
وقال تعالي: ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( الفتح الآية 28 .
الرسول المقصود في هذه الآيات ليس محمد صلي الله عليه وسلم ، بقرينة الحال إذ توفي الرسول صلي الله عليه وسلم ، ولم يظهر الإسلام على الدين كله.
فكان في جزيرة العرب اليهود والروم الصليبيون في الشام  والفرس في العراق ومسيلمة الكذاب مشاطراً للرسول صلي الله عليه وسلم في النبوة بادعائه في اليمامة ويكفي في هذا المقال قوله تعالي : ) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ( البقرة الآية 145. فينصرف معني الآيات بالكلية إلي عيسي ابن مريم عند عودته، فيكون)أَرْسَلَ رَسُولَهُ( هو الرسول في بني إسرائيل، المرسل مهدياً لقوله تعالي) بِالْهُدَى( أي القرآن ليظهره على الأديان، لأنه وارث هذا الكتاب، ووارث المهديين المذكورين في قوله تعـالي : )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ( فاطر الآية 32.
هنا ملاحظة هامة يجب الانتباه إليها : وهي أن ميراث الكتاب على مرتبتين. ميراث اصطفاء أي اختيار واجتباء من الله ويكون هذا للمهديين، وكلهم من آل البيت . ولا يستثني منهم أحد بما في ذلك عيسي ابن مريم وقد أجملهم الله تعالي في قوله تعالي: ) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ( آل عمران الآية 33 – 34. وهم خلفاء الله في الأرض الوارثون لمقام الرسول صلي الله عليه وسلم.
وهنالك ميراث عام يتحصل عليه العباد بالجهد والتحصيل وهو ميراث علماء الأصول، وذكرهم الله في قوله تعالي: ) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ( آل عمران الآية 187 . والفرق بين هؤلاء وأولئك بين وملحوظ. في تكملة الآية)فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ( وقوله تعالي:  )وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( الشورى الآية 14.

فصل :

زمن بعثته مهدياً

إن القرآن لا يحدد الأزمنة اللاحقة صراحة بتواريخ معينة، ولكن يبينها بالظواهر الكونية والعلامات الأرضية على نفس القاعدة فـي سـورة محمــد: ) فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ( أي بالعلامات والظواهر والإمارات وعلى هذه القاعدة حدد لنا القرآن زمن بعث عيسي المسيح ابن مريم مهدياً بعلامات جاء ذكرها في سورة الإسراء .
قال تعالي : ) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( الإسراء الآية 4-7 .
وقال تعالي : ) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ( الإسراء الآية104 .
لقد تحققت جميع العلامات الواردة في الآية السادسة وهي :
1. تغلب اليهود على المسلمين في كل الحروبات منذ عام 1948 م وحتى الحرب الدائرة الآن والتي بدأت بصورة علنيـة في 28 مارس 2002 م ، وهو معني قوله تعالي : )ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ( فالكرة تعني الغلبة في الحرب ، وهي تغلب اليهود على المسلمين اليوم.
2.     اليهود اليوم هم أكثر أهل الأرض جمعاً للأموال والثراء ، كما أن دولة إسرائيل تعتمد على إمدادات الأموال التي تصلها من الخارج  خاصـة مـن الولايات المتحـدة الأمريكية وهو معـني ) وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ ( وقد تكاثرت أعداد بني إسـرائيل ) وَبَنِينَ( . في بلاد المهجر وتوافدوا الى فلسطين وهو معنى قوله تعالى : (جئنا بكم لفيفا) الاسراء الاية 104
3.     العالم الغربي اليوم ينفر لنصرة اليهود في الحرب، ففي كل الحروبات تدخلوا إلي جانب إسرائيل، كما شاهدنا في حرب الخليج الثانية  التي لم يخض غمارها الغرب إلا لتدمير قوة العراق العسكرية  التي يعتبرها الغرب تهديداً لأمن إسرائيل فقامت الحرب أساساً لنصرة إسرائيل وتدمير قدرات المسلمين وإضعافهم في أي مواجهة عسكرية محتملة قد تشنها إسرائيل عليهم، وقد جنت إسرائيل ثمار ذلك، فشنت حربها الحالية على فلسطين، ونكلت بالمسلمين في عقر دارهم  في الوقت الذي كانت  تقف فيه دبابات جيوش الملوك والرؤساء ضد شعوبهم لصد الجماهير إذا خرجت للشارع معبرة عما يعتمل في نفوسها من شعور، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، فمنهم من قتل ومنهم من أعتقـل فكانوا عونــاً لليهــود علـى قاعـدة ) وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (.
4.     نصرة العالم الغربي لليهود في المحافل الدولية كما شهد بذلك مؤتمر (ديربان) لمكافحة العنصرية، الذي وفر فيه الأوربيون الحماية الكاملة ضد إدانة إسرائيل ووصفها بالعنصرية، على الرغم من أنهم جميعاً يعلمون يقيناً أن إسرائيل دولة عنصرية .واسمها (إسرائيل) نسبة إلى جدهم سيدنا يعقوب (إسرائيل) شاهد لا ينكر على عنصريتها.
5.     رفض إسرائيل الدائم والمستمر لقرارات الأمم المتحدة واستـخدام (الفيتو)حق الرفض الأمريكي عشرات المرات ضد قرارات إدانة إسرائيل.
كل ذلك يؤكد أن إسرائيل فسدت في الأرض، والذي يؤكد أن فساد إسرائيل الحالي هو الثاني بدلالة صفة العودة الواردة في سورة الإسراء الآية 104 . لقد تفرقت بنو إسرائيل في أرض الشتات في قوله تعالى : ) اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ( أي فسادكم في المرة الأخيرة. أي الثانية .عدتم إلي الأرض المقدسة في قوله تعالي: ) جِئْنَا بِكُمْ ( إلي فلسطين في شكل هجرات جماعية، كهجرة اليهود الفلاشا التي حدثت أوائل الثمانينات من القرن الماضي عبر السودان  وهو معني قوله:(لَفِيفًا) أي أن هجرات العودة الحالية كانت جماعية ومنظمة وفق الآية.
لقد عاد بنو إسرائيل إلي الأرض المقدسة فلسطين واحتلوا القدس في حرب 1967 م وكانت لهم الكرة والغلبة على المسلمين، وفسدوا في الأرض ثانية  ولكنها ستكون الأخيرة. لأن المرحلة الآتية هي القاضية، وستكون عليهم طامة كبري  يقول تعالي : ) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ ( أي فسادكم في المرة الثانية وهو الكائن الآن والواقع المشاهد من كل مكان بالفضائيات التي تنقل الأحداث حية بالصورة والصوت، فإن عاقبة هذا الفساد والعلو في الأرض حددته الآية في قوله تعالـي: ) لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبـِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( الإسراء الآية 7. )لِيَسُوءُوا( أي المسلمين ) وُجُوهَكُمْ ( أيها اليهـود ) وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ( الأقصى فاتحين ومحطمين للحصار المضروب حوله) كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ( من قبل في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، ولكن تحت خليفة راشد أيضاً هو عيسي ابن مريم خليفة الله وخليفة رسوله.
وبسبب الغبن الدفين في قلوب المسلمين الذي خلقته مجازر اليهود في جنين ونابلس، فإن المسلمين سيحطمون حصون اليهود ، وينكلون بهم شر تنكيل في المعركة التالية في قوله تعالي: ) وَلِيُتَبـِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( .
فالذي يقود المسلمين لحسم الحرب الدائرة الآن في العالم ضد المسلمين من أفغانستان إلي فلسطين ويقودهم إلي النصر المبين لقطع دابر الكفرة والملحدين لتعلو كلمة الحق والدين، هو عيسي ابن مريم العائد بعد أن أثبت الحال عجز الملوك والأمراء والرؤساء والسلاطين عن حمل راية الإسلام، للذود عن الإسلام والمسلمين في أفغانستان أو فلسطين، لأن ذلك من اختصاص عيسي ابن مريم وحده وليس لأمير سواه  يقول تعالي: ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ( وقوله تعالي : ) وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ( آل عمران الآية 55 .

بعثة عيسى ابن مريم في القرآن

ذكر الله تعالى في القرآن بعثة عيسى ابن مريم في أكثر من موقع أذكر منها:-
1. ما جاء في ذكر ذي القرنين ) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (الكهف الآية 86-90. 
2.     وجاء في ذكر الدابة قوله تعالى: )وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (النمل الآية 82.

الشرح:

سبق أن قلت أن عيسى ابن مريم (ذو قرنين) لإمامته في النبوءة من قبل وفي المهدية من بعد، وإنه هو الشمس التي تغرب في العين الحمئة وهي طينة أمه .
وعلى شاكلة هذا الفهم يكون أيضاً هو الشمس التي ) تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ( ويؤكد هذا المعنى أن الشمس الظاهرية جعل الله بينها وبين الناس سترا، مما يؤكد أن المقصود هو عيسى ابن مريم وليس الشمس الظاهرية قال تعالى: ) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ( النحل الآية 81 . وأن عيسى ابن مريم هو أيضاً الدابة التي تكلم الناس في آية النمل 82 بالشواهد الآتية:
أ. إن الإنسان دابة من جملة دواب الأرض قال تعالى: ) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ( الأنفال الآية 22.والمقصود بالدواب هنا الناس دون سائر الحيوانات. قال تعالي)إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ( الأنفال الآية 55. فالكفر يكون للناس وليس للحيوان.
ب. إن هذه الدابة مبعوثة من عند الله بشيراً ونذيراً إلى الناس خاصة دون الحيوانات وان الله لا يبعث للبشر إلا بشراً من جنسهم وبلغتهم .
 قال تعالى: ) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ (الحج الآية 75. ولما انقضي عهد الرسالات فان الله بعث للبشر أناسا لا حيوانات وبهائم لهداية الناس  وتذكيرهم بآيات الله ووعده ووعيـده علي قاعدة) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (الأحزاب الآية 62.
وإن هذا الخليفة يجمع بين التبشير ) تُكَلِّمُهُمْ ( والتحذير ) أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ( ونفس هذا المعــني نجده في آيات الكهف :  )وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ( وجاء التحذير ))أَمَّا مَنْ ظَلَـمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا( وان هذه الدابة تجاهد في سبيـل الله لأنه من معانـي ) تُكَلِّمُهُمْ (الجراح في الحرب والقتال قال زهير بن أبي سلمي في حرب (عبس وذبيان):
تعفي الكلوم بالمعين فأصبحت  *  ينجمها من ليس فيها بمجرم
والقرينة الجامعة بين الدابة والشمس هي أن الدابة تخرج من الأرض  كما أن الشمس تطلع منها بعد غروبها فيها ,وان الدابة غير خارجه من حيوان بعينه كساير دواب الأرض ولكنها خرجت من الأرض (كمثل آدم)وهذا هو آكد المعاني الدالة علي أن الدابة إنما هو عيسي ابن مريم ، ويخرج من الأرض وهي طينة أبويه ، وكل ذلك علي قاعدة القرآن (بسيماهم) وفي (لحن القول) وذلك لاستحالة المعاني الصريحة التي تدل علي الشمس الظاهرية وان الدابة من  قبيل بهيمة الحيوان وإنما صفاتهما تدل أن المقصود في لحن القول هو عيسى ابن مريم عندما يبعث مهدياً يخرج من الأرض بميلاده الثاني ولا ينزل من السماء، وهو المهدي الذي يقود المسلمين في نصرهم المرتقب على اليهود في علوهم وجبروت الدجال الحالي.
ويتم النصر للمسلمين على قاعـدة ) إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( محمد الآية 7. وليس على نظرية ) فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ( المائدة الآية 24 .

فصل :

كيف نعرف أن سليمان أبو القاسم موسى هو المسيح ؟

بعد أن أثبتت النصوص أن المسيح عيسي ابن مريم يعود ثانية ويولد مرة أخري  وغرب الجزيرة العربية وتأكد كل ذلك بنصوص لا تقبل الجدل بل إن المجادل يجد نفسه في مواجهة مع هذه النصوص ، وبطريقة تجعله هو المعني بقوله تعالي: )فَإِنَّهُـمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ( الأنعام الآية 33. ولمحاولة التهرب من مجابهة القرآن يطالبني المجادلون بمعجزات ظاهرة، فارد عليهم بالقرآن لما فيه من عظات وعبر لأن المعجزات لم تكن يوماً هي سبباً لإيمان الناس ، فإن النمروز لم يضع تاجه على رأس إبراهيم عليه السلام بعد خروجه من النار بإعجاز رباني، بل قال له أبوه: ) أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا( مريم الآية46. وتحت التهديد والوعيد أختار المنفي الاختياري فراراً بدينه .
وعقرت ناقة صالح عليه السلام قال تعالي : ) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا ( هود الآية64 – 65 .
وقتل سحرة فرعون لما آمنوا لموسى عليه السلام فإنهم كانوا مكرهين على مناظرة موسى عليه السلام ، ولم يطلبوا منه المعجزة . يقول تعالي : ) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ( طه الآية 73. وأما فرعون قال عنه: ) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(طه الآية 56.
وأن قريشاً لما طلبوا من محمد صلي الله عليه وسلم أن يشق لهم القمر، وقد فعل بإذن الله أعرضوا ، قال تعالـي في شــأنهم: ) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ( القمر الآية 1-2.
ويكفي في هذا المجال قوله تعالي: ) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( الأنعـام الآية 109 – 110.
فلم تكن المعجزات سبباً لإيمان أحد في يوم من الأيام  فقريش التي طالبت  بالمعجزة كفرت بها بعد وقوعها ، في حين آمن (الأوس والخزرج) ولم يطالبوا النبي صلي الله عليه وسلم بمعجزة .
وخلاصة القول: لكي يعلم الناس أن سليمان أبو القاسم موسى هو ذات المسيح وليتأكدوا من ذلك عليهم بالرجوع إلي الكتاب واستفتاء علماء الأصول وهو الطـريق الأمثل لمعرفة الأنبياء من قبل، ولمعرفة المهديين من بعد، يقول تعالي: ) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ( الرعد الآية 43.
وعلم الكتاب عند علماء الأصول ،ومن عندهم علم الكتاب يعرفون أن الإمام يعــرف بسمــاته،عــلى قاعـدة سورة محمـد: )فَلَعَرَفْتَهـُمْ بِسِيمَاهُمْ( ( وهي المبينة في قوله تعالي:) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ( النساء الآية 83. وقد أورد صاحب كتاب جواهر المعاني كلام أهل الله ، قال :( الولي لا يأتي قط بشرع جديد ، وإنما يأتي بالفهم الجديد من الكتاب والسنة الذي لم يكن يعرف لأحد قبله ،ولذلك يستغربه كل الاستغراب من لا إيمان له بأهل الطريق ويقول هذا لم يقل به أحد على وجه الذم) جواهر المعاني ج 1 ص 16.
 أقول:أن خصوصية المجدد تكمن في أن يأتـي بالجديد الغـير مسبوق، فيكتسب صفة الخصوصية والتمييز على علماء زمانه. ولما لم يسبقني أحد من علماء السلف ولا علماء هذا القرن باستنباط ميلاد عيسي بن مريم ثانية في هذه الأمة وتأصيل ذلك بالكتاب والسنة، تفردت بصفة مجدد القرن بتصحيح عقيدة العلماء المورثة من شروحات السلف لتوضيحي للمعاني الصحيحة من الكتاب والسنة بشرح وفهم جديد صحيح غير مسبوق.
كنت قد صرحت بأني خليفة الله في هذا الزمان ومجدد القـرن الحالي، وأني ذات المسيح عيسي ابن مريم مهدي هذه الأمة، وسماتي دالة على ما قاله الله تعالي في صفة الإمام على نحـو قولـه: ) لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ( فهذه شهادة من الله لي بأني أنا سليمان أبو القاسم موسى  المسيح المهدي المحمدي، منقذ هذه الأمة من محنتها الراهنة ، وكفي بالله شهيداً.
وأقول: إن دمار أفغانستان واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لأسلحة الدمار الشامل للقضاء على حكومة طالبان وتنظيم القاعدة الأصولي، ومذابح شارون وجنوده اليهود بدعم أمريكا في فلسطين، وما تبثه الإذاعات من الخوف والرعب بعرضها للمجازر البشعة، لا أحد غيري استنبطه من الكتاب وبين منه طريق خلاص هذه  الأمة من محنتها الراهنة، بل كل الملوك والرؤساء والقادة العسكريين وقفوا عاجزين عن تحريك آلاتهم العسكرية لنصرة الإسلام والمسلمين وأنصبت أقلام المفكرين الحائرة في التعريض بالملوك والرؤساء ، وقام العلماء خطباء في المساجد في وقت لا يجدي فيه اللوم، ولا تنفع الخطب بل الذي يفيد الآن هو التفاف الأمة حول إمامها الذي ينازل العدو في الميدان لإغاثة المسلمين ونصرة الحق والدين. هذا ما تحتاجه الأمة الآن.
أما علماء الأصول ، قال عنهم الله تعالي : ) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( البقرة الآية 146. فهم اليوم في امتحان حقيقي فإما أن يعلنوا للناس أن سليمان أبو القاسم هو المسيح المهدي ، وإما أن يحق فيهم قوله تعالي : ) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالـدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيـْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ( الأعراف الآية 169. فالعلماء اليوم بين مطرقة الحق وسندان الخلق المتمثل في ملوك ورؤساء العالم العربي الإسلامي اليوم .
وقد حكم العرب بنصوص القرآن، أن عيسي ابن مريم رفع روحاً وسيعود روحاً وتـلده امرأة متزوجة برجل من أهل البيت، ويولد غرب الجزيرة العــربية، آدم اللـون ومن السودان بلون (الحمأ) وهو إمام المسلمين اليوم، وهو سليمان أبو القاسم موسى وفق قوله تعــالي:) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ( الرعد الآية 37. فالقرآن يحكم به بمقتضى اللغة العربية وليس بميل الأهواء.

 

الخــاتمة

على علماء الأصول ، أن يعلنوا للأمة الإسلامية صراحة وجهرة على الملأ عبر وسائل الإعلام كافة المقروءة والمسموعة والمشاهدة، بطلان العقيدة القائلة بأن عيسي ابن مريم موجود في السماء بشراً ويعود إلي الأرض بشراً سوياً، ويعلنوا مكانها العقيدة الإسلامية القائمة على أصول الدين، وهي أن عيسي ابن مريم رفعه الله إليه روحاً وسيعود روحاً وتلده امرأة من آل البيت متزوجة برجل من أهل البيت، ويتبرءوا من العقيدة الفاسدة التي ورثوها من كتب تفاسير السلف،  فالحق أحق أن يتبع وهي مسئوليتكم أمام  الله لتوجيه الأمة إلي طريق الحق قـال تعالـي : ) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( النحل الآية 43. فأنتم أمناء الله على دينه وحراس العقيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق